ثم إنه لا يستفاد من رواية تحف العقول (1). ودعائم الاسلام (2) والنبوي (3) قاعدة كلية مطردة في جميع النجاسات بحيث لا تقبل التخصيص، لأن غاية الأمر أنها عمومات، مع أن من نفس الخبرين الأولين يستفاد أن مناط الفساد المعاملي ليس مجرد حرمة الشئ ونجاسته، بل المدار على عدم كونه مما ينتفع به، وكونه مما فيه الفساد.
وبعبارة أخرى: لا يستفاد من هذه الأخبار مجرد التعبد بحرمة بيع النجاسات والمحرمات، بل منشأ فساد البيع توقف استيفاء منافعها على طهارتها، فإذا فرضنا أن جلد الميتة لا يتوقف استيفاء المنافع المهمة منه على طهارته فلا بأس ببيعه.
والأخبار (4) الواردة في حرمة بيع جلد الميتة قابلة للحمل على بيعه لما تتوقف الطهارة عليه، فتكون إرشادا لعدم قابلية الانتفاع.
وكيف كان، فيعم البحث في المقام الموارد المنصوصة أيضا مثل الميتة والخمر والنبيذ ونحو ذلك، فإن المقصود: أنه إذا فرض هناك منفعة مهمة عقلائية ولم يتوقف استيفاء المنفعة على طهارة الشئ كالاستقاء بجلد الميتة للزرع ونحوه، فمجرد كونه نجسا لا يمنع عن جواز بيعه. وعلى هذا فبيع العذرة في البلاد التي تنتفع بها لا بأس فيه، وهكذا نفس الميتة والخمر.
نعم، لا يبعد أن يقال: إنه يجب في البيع قصد المنفعة المحللة. ويؤيده الأخبار (5) الدالة على وجوب الأعلام في الدهن المتنجس، فإن حمله على التعبد - كما تقدم (6) - بعيد، بل الوجه فيه: أنه إذا كان للمال منافع مطلقة فلا وجه لقصد المنفعة الخاصة دون الأخرى، بل عنوان المبيع هو ذات الشئ بذاته. وأما إذا كان له منافع خاصة وتوقف استيفاء هذه المنفعة على طهارته فليس ذات الشئ عنوانا