وعرفت أن هذا الاجماع لا يفيد لإثبات الجواز بعد التلف.
ولا يقال: لا إشكال في إمكان الإقالة منهما على كلا القولين بعد التلف، ومقتضاه إمكان الرد منهما على القولين بعد التلف.
لأنا نقول: وإن ثبت الملازمة بين ما يجري فيه الإقالة وما يجري فيه الخيار إلا أن ثبوت الملازمة إنما هو من حيث الاقتضاء، أي ما يصح فيه الإقالة يصح فيه جعل الخيار، لا الملازمة الفعلية، ولذا تجري الإقالة بعد تلف المعيب أو تغيره مع سقوط الخيار بهما.
ثم إن من جريان الإقالة بعد التلف لا يمكن استكشاف الجواز الحقي في المعاطاة الذي هو بمعنى الخيار الثابت حتى بعد التلف.
أما أولا: فلما عرفت: أن الجواز الحقي أيضا يمكن ارتفاعه بالتلف، كما في خيار العيب.
وثانيا: يمكن أن يكون الجواز حكميا كالجواز في باب الهبة وبقيام الاجماع على أن تلف العينين ملزم يثبت اللزوم الحقي الذي تجري فيه الإقالة، وذلك لعدم انحصار اللزوم الحقي بما إذا كان الالتزام بالمعاوضة من منشآت المتعاقدين، بل كما يمكن أن يكون كذلك يمكن أن يكون بجعل شرعي كما في الجواز الحقي فإنه يمكن أن يكون مالكيا كخيار الشرط، ويمكن أن يكون شرعيا كخيار المجلس والحيوان، فإنه مع كونه شرعيا يكون حقيا. هذا إذا قلنا بأن الأصل في المعاطاة على القول بالملك هو اللزوم.
وأما لو قلنا بأن الأصل فيها الجواز، لعدم منشأ اللزوم فالجواز فيها كالجواز الحكمي حكما وثبوته بعد تلف العينين يتوقف على قيام دليل عليه، وحيث إن الاجماع عليه لا يفيد لإثباته بعد تلفهما فينحصر بمورد البقاء.
قوله قدس سره: (ومنه يعلم حكم ما لو تلف إحدى العينين... إلى آخره).
بعد ما تقدم منا أنه يمكن ثبوتا أن يكون جواز المعاطاة مختصا بمورد قيام العينين على حالهما فبعد تلف إحداهما أو تلف بعض من إحداهما يرتفع موضوع الجواز، وهذا على الملك مسلم.