إذا عرفت ذلك فنقول: تارة يكون العوضان شخصيين، وأخرى كليين، وثالثة يكون أحدهما شخصيا والآخر كليا. فإذا كانا شخصيين فلا يعتبر تعيين مالكهما، سواء أكان العقد من المالكين أم من غيرهما، وكيلا كان أم لم يكن، عقبه بما ينافيه أم لم يعقبه، فإنه بعد ما عرفت: من أن المعاوضة تقتضي دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض وبالعكس، فلو بدل المبيع الشخصي بالثمن الشخصي وقال:
بعتك هذا بهذا أو قال: بعت هذا بهذا صار المثمن لمالك الثمن، والثمن لمالك المثمن، ولا يعتبر تعيين المالكين، لكونهما معينين في الواقع، ولا يضر تعقيب العقد بما ينافيه بأن يقول: (بعتك هذا بهذا لزيد) مع عدم كون زيد مالكا لأحد العوضين، بل ولا يضر ذكر المنافي بين الإيجاب والقبول بأن يقول: بعت هذا الذي لزيد بهذا الثمن الذي لعمرو، فإنه يقع التبديل بين الثمن والمثمن، وقصد كونه لزيد أو ذكره لغو لا يوجب البطلان، ولا يقاس على قوله: بعتك بلا ثمن، لما عرفت من الفرق بينهما.
وبالجملة: لم يقم دليل تعبدي على اعتبار قصد المالكين، ولا على بطلان قصد الخلاف، ولا يتوقف عنوان العقدية أيضا على قصد المالكين أو ذكرهما، ولا يمكن أن يؤثر قصد الخلاف في البطلان، كما لا يمكن أن يتعدد وجه وقوع العقد أيضا حتى يتوقف على التعيين.
وأما إذا كانا كليين فلا بد من تعيين ذمة شخص بالنسبة إلى أحد العوضين، والعوض الآخر لو لم يجعله العاقد في ذمة غيره يتعلق بذمته ظاهرا، فلو قصد الإبهام وقال: (بعت) أو: (اشتريت منا من الحنطة بعشر قرانات) فلا يصح، لأن الكلي ما لم يضف إلى ذمة شخص لا يكون مالا ولا ملكا، فإنه وإن لم يعتبر الملكية والمالية قبل العقد ويكفي تحققهما بنفس العقد كما في السلم إلا أن تحققهما به يتوقف على تعيين ذمة شخص، فإن المن من الحنطة بدون تعيين ذلك مفهوم، والمفهوم بما هو مفهوم لا مالية له، وإنما ماليته باعتبار انطباقه على المصاديق الخارجية وما لم يعينه في ذمة شخص لا ينطبق على مصداق، ولا دليل على كفاية