الأول: لا شبهة أن إذن المولى يرفع الحرمة التكليفية. وأما الإجازة اللاحقة فلا تؤثر في رفع الحرمة، لأن الفعل لا يتغير عما وقع عليه. فلو قيل بأن نفس تلفظ العبد وكذلك قصد معنى اللفظ - أي: استعمال اللفظ في المعنى - محرم بلا إذن فالإجازة اللاحقة لا ترفع الحرمة. إلا أنك قد عرفت أن مثل ذلك لا يشمله عموم الشئ.
الثاني: أن النهي المتعلق بالمعاملات تارة يرجع إلى الأسباب، وأخرى يرجع إلى المسببات، فإذا رجع إلى الأسباب فلا يوجب الفساد، وإذا رجع إلى المسببات فيوجبه، وتوضيحه موكول إلى الأصول.
وإجماله: أن حرمة السبب إما لمزاحمة لواجب: كالبيع وقت النداء، أو لتعلق النهي به بالخصوص: كحرمة تلفظ العبد بألفاظ العقود لا يلازم عدم ترتب الأثر عليه، فتحقق المنشأ بالألفاظ المحرمة من جهة كونها فعلا من أفعال المكلف لا محذور فيه.
وأما حرمة المسبب فمرجعها إلى سلب قدرة المكلف عن وقوعه وإخراجه عن عموم السلطنة.
ثم المراد من السبب هو قصد المعنى من اللفظ. والمراد من المسبب هو النقل والانتقال، أي إيجاد المنشأ وموجديته بهذا الإيجاد، أي المصدر واسم المصدر اللذان فرقهما اعتباري.
فمن حيث نسبة الأثر إلى الفاعل يقال: أوجده وأثر فيه. ومن حيث نسبته إلى المنفعل يقال: موجد وأثر.
وهذه الأمور كلها صادرة عن العاقد، فالعبد في مقام البيع يصدر عنه اللفظ الذي اعتبر فيه الماضوية والعربية، وعدم كونه غلطا، ويقصد المعنى في مقابل كونه هازلا، ويقصد إيجاد المادة بالهيئة في مقابل استعمال اللفظ في المعنى لداع آخر كالأخبار ونحوه، ويقصد اسم المصدر أيضا تبعا من حيث إنه فعل توليدي له.
والإجازة اللاحقة تؤثر في الأمرين الأخيرين، لا في الأولين.