الجائع ونحوه كمن أكره على إعطاء مائة دينار فباع داره لإعطاء الدنانير، فإرادة الفعل أيضا نشأت عن الاختيار، إلا أن هذا الاختيار نشأ عن أمر غير اختياري.
وكيف كان، فموضوع البحث في عقد المكره وجود جميع الشرائط، سوى الرضا بالمعاملة.
فما عن العلامة والشهيدين قدس سرهم من أن المكره قاصد إلى اللفظ دون مدلوله، (1) ليس مقصودهم ما هو ظاهر عبارتهم.
أما مراد الشهيدين فبالنظر إلى قياسهما المكره على الفضولي يظهر أن مقصودهما من قولهما: إن المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله هو أن المكره لم يقصد ما هو ظاهر إنشاء كل منشئ من رضائه بوقوع المدلول في الخارج. كما أن الفضولي لم يقصد ما هو ظاهر المعاملة من وقوعها لنفسه.
وأما العلامة فمقصوده من قوله في التحرير: لو أكره على الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا إكراه على القصد، (2) هو التفصيل بين أقسام المكره، وهو أن كل من لم يتمكن من التورية فهو مكره، وأما من أمكن له التورية فإذا لم يور وأوقع المعاملة فليس مكرها، بل صدرت المعاملة عنه عن طيب.
وبالجملة: فمحل الكلام في المقام هو أن الداعي الذي ينشأ منه إرادة الفعل:
يجب أن يكون اختياريا، فعدم قصد وقوع المدلول في الخارج كما في الهازل لا يدخل تحت هذا العنوان.
كما أن انتهاء جميع الدواعي في السلسلة الطولية إلى الاختيار أيضا لا دليل على اعتباره، وإلا لزم عدم صحة أغلب المعاملات، فلو كان محل البحث هو البيع الصادر عن إرادة ناشئة عن الاكراه لصح التمسك لاعتبار الاختيار المقابل لهذا المعنى بالأدلة العامة والخاصة.