ذلك أن النسبة بين الأدلة الواقعية ومفادهما، العموم من وجه، وتصير النتيجة إنكار الحكم الظاهري في موردهما. وحيث يكون كل واحد من طرفي العلم موضوعا للقاعدتين، وما هو المعلوم بالإجمال نجسا وحراما واقعا عند الإصابة، يلزم التزاحم، وتكون أدلة القاعدتين مقدمة على الأدلة الواقعية، وإلا يلزم سقوطهما ولغويتهما الكلية، لأن موضوعهما الشك. نعم، في موارد الشبهات المهتم بها وفي موارد الأدلة الخاصة القائمة على لزوم الاحتياط - كما في الأمر بإهراق الماء والتيمم (1) - تقدم الأدلة الواقعية عليها، ولازمه جواز ارتكاب مجموع الأطراف.
وتوهم تعارضهما مع الأدلة الواقعية، في غير محله، لظهور كل من دليل الواقع ودليل القاعدتين في الملاك في المجمع، فلا تخلط.
ومنها: أن تكون كلمة " شئ " في القاعدتين، كناية عن تلك الأعيان الخارجية المحرمة والنجسة، دون العناوين الكلية، ودون عنوان المشكوك، نظرا إلى أنه لا معنى لجعل الطهارة ثانيا على ما هو الطاهر، والحلية لما هو الحلال واقعا، فتكون كناية عما هو نجس أو حرام بشبهة موضوعية أو حكمية، ولا معنى لجعل الطهارة والحلية الواقعية لما هو النجس والحرام الواقعي.
فيكون المقصود هو الترخيص عملا، بعدم الاعتناء بالواقع حال الجهل والشك، وأن الشاك في السعة، ولازم ذلك هو الالتزام بالحكم الظاهري، وتصير النتيجة أن النسبة بينهما طولية، لا عرضية، فلا تقديم ولا تقييد. وعند ذلك ذهب المتأخرون إلى منع جريانهما ذاتا، أو تعارضهما بالعرض.
وغير خفي: أن ما هو ظاهر القاعدتين هو الجعل والتأسيس، وليس فيهما كناية عن النظر إلى الترخيص العملي والجري الخارجي، فإنه خلاف الظاهر جدا،