وبقي أمر آخر: في تقدم قاعدة الاشتغال على البراءة لا يختص عدم جريان البراءة بمورد لم يكن أصل مقدم عليها، بل لا تجري في مورد حكم العقل بالاشتغال، لأجل القاعدة المعروفة: " إن الاشتغال اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينية ".
مثلا: إذا شك في الوقت أنه أتى بفريضة، فإنه من الشك في وجوب الظهر والعصر عليه، لاحتمال الإتيان بهما، ومقتضى إطلاق حديث الرفع نفي الوجوب، إلا أن الحديث غير جار قطعا، ونعلم ذلك بالعلم الخارجي، وعليه كافة العقول.
وإنما البحث في أن الأصل حاكم، وهو استصحاب بقاء التكليف، فيكون من الأمثلة السابقة، وداخلا في البحث الآنف.
أو العقل حاكم، ولا تصل النوبة إلى الأصل، كما عليه بعض المحققين، فيكون على هذا جريان البراءة ممنوعا، لا لوجود الأصل الحاكم اصطلاحا، بل لوجود العقل القائم قرينة قطعية على صرف حديث الرفع عن أمثال هذه الموارد.
أو يكون الأصل المذكور واردا، على بعض التقاريب السابقة.
وكان ينبغي أن يخوضوا هنا في هذه المسألة عوضا عن الخوض في مسألة التذكية والقابلية واستصحاب العدم الأزلي الأجنبي فقها وأصولا عن المقام.
والذي هو الحق: أن القول بعدم الحاجة إلى الاستصحاب، لأجل أنه ليس إلا أصلا محرزا ومنجزا، وقد تنجز التكليف قبل ملاحظة الحالة السابقة بحكم العقل، غير سديد، لأنه إن أريد منه لغوية الاستصحاب، لأن أثره التنجيز، وهو حاصل بسبب سابق.
ففيه أولا: أن هذه اللغوية ممنوعة، لأن من الممكن دعوى: أن المسألة من