تجري البراءة الشرعية كما لا يخفى.
ومن هنا يظهر حكم سائر الموارد، كما يظهر: أنه لو كان أحدهما عقليا والآخر شرعيا، تجري البراءة بالنسبة إلى الشرعية، دون العقلية، ولكن لا منع من جريان البراءة بالنسبة إلى ما هو المنشأ لذلك المحذور العقلي، لما لا علم به قهرا، فيكون إدراك العقل التخيير المذكور سابقا، باقيا على حاله.
إيقاظ: في ثمرة جريان القاعدة الشرعية إذا تردد السفر غدا بين الحرمة والوجوب، فالبراءة الشرعية جارية، ولكن لا يلزم منها حلية السفر التي هي شرط القصر، ولا تثبت بها إباحته.
وأما لو كانت قاعدة الإباحة جارية، فالسفر يكون مباحا، ويثبت بها القصر، وإلا فيستصحب حكم التمام الثابت قبله، إلا على إشكال في جريانه، وتصير النتيجة لزوم الاحتياط، فليلاحظ جيدا.
وتوهم عدم جريان القاعدة، لأن إثبات الإباحة مخصوص بالطرفين، ولا يجري بالنسبة إلى كل من الفعل والترك قاعدة الحلية (1)، فاسد كما أشرنا إليه، بل غير معقول، لأن النقيضين لا يجمعهما عنوان واحد.
نعم، إباحة الفعل تستلزم إباحة الترك وبالعكس، ولا وجه لاختصاص أحدهما بالجريان، فيجري بالنسبة إلى كل واحد منهما. ومسألة لغوية الجريان (2) ممنوعة في القوانين العامة الكلية، أي لا بأس بها كما تحرر مرارا.
فعلى هذا، لا فرق بين الأصول الشرعية في حد نفسها، نعم في خصوص الاستصحاب قد منعنا جريانه، لأجل جهة مخصوصة بإجرائها في الشبهات الحكمية الكلية (3).