تكون قضية الإطلاقات إطلاق الموضوع بالضرورة، وأما بالنظر إلى الأدلة المذكورة، فهل يلزم تصرف واقعي في الأحكام الواقعية، أم مقتضى الأدلة المذكورة شئ آخر، وهو التصرف الظاهري، أم لا يلزم تصرف رأسا، أو يكون تفصيل بين أدلة الأمارات والأصول، أو بين الأصول المحرزة وغيرها؟، وهكذا؟ فلا يختلط الأمر عليك وعلى القارئين.
إذا تبينت هذه الجهات، فالبحث يتم في طي مقامات:
المقام الأول: في الترخيص بالأمارات والطرق، ونسبة أدلتها إلى الأدلة الواقعية النفسية لو علم إجمالا بخمرية أحد الإناءين، وقامت البينة الأولى على عدم خمرية أحدهما المعين، والبينة الثانية على عدم خمرية الآخر، أو قام كل واحد منهما على مائية كل واحد منهما، فهل لا يكون هناك إطلاق يقتضى حجية البينة رأسا، فلا تقع المعارضة بينهما بحسب الدلالة الالتزامية، والقدر المتيقن غير هذه الصورة؟
أو تقع المعارضة بينهما، لأن لازم البينة حجة؟
أم لا تقع المعارضة، لأن مقتضى إطلاق دليل حجيتها هنا، مثل الشبهة البدوية، فكما أن في الشبهة البدوية يؤخذ بالبينة، ويكون مقتضى الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري على مسلك القوم، التصرف في حرمة الخمر، لما لا يعقل فعليتها المطلقة مع جواز الأخذ بالبينة، فالشرع قد انصرف عن واقعه في صورة الخطأ، تسهيلا على الأمة، كذلك الأمر هنا، فيؤخذ بإطلاق حجية البينة، ولا تكون البينة الخاطئة في البين إلا بحسب ذات الخمر، وأما بحسب الحكم فلا أثر لتلك الخمر التي قامت البينة على أنها ليست خمرا، فإنها خمر، إلا أنه لا أثر لها، كما في الشبهة البدوية حذوا بحذو، ومثلا بمثل، بلا زيادة ونقصان، وذلك أيضا تسهيلا؟