ببعيد. ولكنه لا يتم في موارد تحريم صرف الوجود، أو إيجاب نفس الطبيعة كما لا يخفى، فيلزم التفصيل غير الملتزم به قطعا.
وثانيا: لو كان مجرى البراءة، مقيدا بموارد يكون البيان شأن المولى، للزم إنكار جريانها في مواضع صدور الأمر والنهي غير البالغين إلينا، لأجل الحوادث والمزاحمات الخارجية، والموانع التكوينية، فإن إلقاء الكبريات كان شأنه، وقد أبانها وأصدرها، وما هو خارج عن عهدة المولى ليس دخيلا في عدم الاستحقاق، فعدم الوصول في مفروض البحث، لا يورث عدم وجوب الاحتياط، كما هو الواضح.
وثالثا: لا شبهة في أن بناء العقلاء بعد الفحص عن الموضوع في الشبهة الموضوعية، وعدم العثور عليه، هي البراءة، ومقتضى البيان المذكور هو الاحتياط، فيتبين مما أشير إليه: أن تنجيز التكليف ليس مرهون مجرد العلم بالكبريات، ما لم تنضم إليه الصغريات الوجدانية، أو التعبدية، وكما أن وجود تلك الكبريات غير كاف، فوجود الصغريات أيضا كذلك، فلا بد من قيام العلم على الكبرى والصغرى حتى تتم الحجة، ويصير الحكم منجزا.
فجريان البراءة العقلائية والعقلية في الشبهات الموضوعية، كان أمرا مفروغا عنه بينهم من الأول، وقبح العقاب بلا بيان على إطلاقه، كان من القضايا المشهورة، وهكذا فإن العقاب بلا بيان ظلم، مما يدركه العقل، فلا تخلط.
تذنيب آخر: وفيه مناقشة عقلية لقاعدة قبح العقاب بلا بيان من البحوث التي تنبغي هنا: أن حديث قبح العقاب بلا بيان ظلم، أو أن العقاب بلا بيان قبيح، بعيد عن الموازين العقلية في بابي العقاب والثواب، فإن تلك القضية ظاهرة في أنه تعالى يتصدى للعقاب، وأنه عليه يكون العقاب بلا بيان قبيحا، أو ظلما، مع أن العقاب - على بعض المقالات - من تبعات الأعمال ولوازم الأفعال،