ولو كان الدوران بين الوجوب والحرمة، فجعل الحلية لا ينافي الوجوب، لأنها ليست معناها الرخصة، كما هو الواضح.
بقي شئ: حول إمكان الامتثال عند الدوران بين محذورين إن القول بامتناع الامتثال، لأجل أن العجز سابق على قبح العقاب بلا بيان (1)، قابل للمنع، وذلك لأن ما هو الممتنع هو العلم بالامتثال، لا الامتثال الواقعي، ضرورة أنه لو أتى بأحد المحذورين، وصادف الواقع، فإن كان من التوصليات فقد سقط أمر المولى، فيثبت الامتثال، وإن أتى به في العبادات قربة إلى الله، وصادف الواقع، فقد امتثل الأمر، لما لا نعني من " الامتثال " إلا ذلك.
فعلى هذا الامتثال ممكن، وعقاب المولى على التخلف عما هو تكليفه في البين، ممكن لولا القاعدة، فالتخيير الزائد على درك الاختيار هنا، حاصل ويدركه العقل، لأجل جريان القاعدة في الطرفين في حد ذاتهما، ونتيجة ذلك جريان البراءة العقلية، والعقلائية، والشرعية، وأصالة الحل، والإباحة، دون الاستصحاب، ودون التخيير الشرعي.
نعم، يثبت التخيير العقلي معنى درك العقل أمرا زائدا على درك الاختيار، المشترك فيه جميع الأفعال الاختيارية والإرادة الاختيارية.
أقول: الأمر كما تحرر، إلا أن في موارد الشبهات البدوية الوجوبية والتحريمية، لا يحتج العبد على المولى إلا بأن العقاب بلا بيان ممتنع وقبيح، وأما في موارد الدوران بين المحذورين، فنجد صحة اعتذاره: بأنه كان لا بد من أحد المحذورين، والترجيح بلا مرجح قبيح بالقياس إلى مرام المولى، لا بالقياس إلى مقاصده كما لا يخفى، فلا يعتذر: بأنه عقاب بلا بيان، ولا يحتج عليه: بأنه مؤاخذة