وعلى كل تقدير: لا شبهة في أصل تقدم الأمارات على الأصول بالضرورة، وإنما الخلاف في أن التقديم بالحكومة مطلقا (1)، أو الورود مطلقا (2)، أو هناك تفصيل (3)، فمن الأمارات ما يكون حاكما، كقاعدة اليد، لقوله (عليه السلام): " من استولى على شئ منه فهو له " (4) ومن الأمارات ما يكون واردا، كالخبر الثقة، فإنه حجة، ولا موضوع واقعا لأدلة الأصول في مصب قامت فيه الحجة الشرعية.
ويحتمل أن تكون أدلة الأمارات مخصصة ومقيدة، كما يحتمل أن تكون أدلة الأدلة، منصرفة عن موارد الأمارات والحجج العقلائية.
وحيث إن المسألة تحتاج إلى التدبر في كل أمارة برأسها، لقيام ذلك على النظر في الأدلة الخاصة، فالإحالة إلى محالها أولى وأحوط، وإن كان الأمر سهلا.
الأمر الثالث: في أصولية مسألة البراءة مطلقا إن البحث عن البراءة في الشبهات الحكمية والموضوعية - تحريمية، أو إيجابية بأقسامها، وعلى تفاوت مناشئها، من فقدان النص، أو إجماله، أو تعارض الأدلة، بعد ما كانت ساقطة مثلا - من البحث الأصولي، وتكون المسألة من المسائل الكلية الأصولية، لما يستنتج منها قانون كلي يستنبط به الفروع، ضرورة أن البحث بين الأخباري والأصولي، يرجع هنا إلى أن المشكوك وجوبه أو حرمته، وغير المعلوم حكمه، المردد بين الإلزامي وغيره، هل يكون مرفوعا وغير مستتبع لشئ، أو لا؟