الجهة الثالثة: حول نسبة القاعدة مع قاعدة لزوم دفع الضرر قد تقاس هذه القاعدة مع القاعدة الأخرى المعروفة، وهي أن: " دفع الضرر المحتمل واجب ولازم ".
فإن للأخباريين دعوى ورود القاعدة الثانية على الأولى، لكونها بيانا بالنسبة إليها، فتكون واردة عليها (1)، ضرورة أن المراد من " البيان " أعم من الباطني والظاهري، فلا تصل النوبة إلى التمسك بالأولى في الشبهات.
وربما يقال بانعكاس الورود (2)، ضرورة أن مع تمامية القاعدة الأولى لا يحتمل العقاب، فلا موضوع للقاعدة الثانية، فترد الأولى عليها.
وقبل الخوض في المقايسة بينهما نشير إلى مفاد الثانية أولا، ثم إلى ملاحظة النسبة بينهما إن شاء الله تعالى.
فنقول: كما يجوز أن يعبر ب " أن دفع الضرر المحتمل واجب ولازم " يجوز أن يقال: ارتكاب الضرر المحتمل قبيح وظلم، ويجوز أن يقال: العقل يدرك لزوم دفع الضرر المحتمل، ويدرك قبح ارتكابه، وإن ارتكابه ظلم، كل ذلك تعابير، إلا أن الأول والثاني تعابير عقلائية، لا عقلية، ضرورة أن شأن العقل هو الدرك فقط، لا الحكم، وإنما الحكم شأن العقلاء في القضايا المشهورة التي منها هذه القضية.
وأما الثالث، فهو تعبير صحيح على موازين عقلية، فما ترى في بعض كلماتهم: " من استقلال العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل " (3) من الغفلة.