بعض فوائد الدين باشتراكه مع المؤمنين في مواريثهم ومناكحهم وغيرهما حتى إذا حان حين الموت وهو الحين الذي فيه تمام الاستفادة من الإيمان - ذهب الله بنوره وأبطل ما عمله وتركه في ظلمة لا يدرك فيها شيئا ويقع بين الظلمة الأصلية وما أوجده من الظلمة بفعاله.
وقوله تعالى: * (أو كصيب من السماء...) * إلخ الصيب هو المطر الغزير، والبرق معروف، والرعد هو الصوت الحادث من السحاب عند الإبراق، والصاعقة هي النازلة من البروق.
وهذا مثل ثان يمثل به حال المنافقين في إظهارهم الإيمان، أنهم كالذي أخذه صيب السماء ومعه ظلمة تسلب عنه الإبصار والتمييز، فالصيب يضطره إلى الفرار والتخلص، والظلمة تمنعه ذلك، والمهولات من الرعد والصاعقة محيطة به، فلا يجد مناصا من أن يستفيد بالبرق وضوئه وهو غير دائم ولا باق متصل كلما أضاء له مشى وإذا أظلم عليه قام.
وهذه حال المنافق، فهو لا يحب الإيمان ولا يجد بدا من إظهاره، ولعدم المواطأة بين قلبه ولسانه لا يستضئ له طريقه تمام الاستضاءة، فلا يزال يخبط خبطا بعد خبط ويعثر عثرة بعد عثرة فيمشي قليلا ويقف قليلا ويفضحه الله بذلك، ولو شاء الله لذهب بسمعه وبصره فيفتضح من أول يوم (1).
قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان...) * إلخ، قال الراغب: الشكس - بالفتح فالكسر - سئ الخلق، وقوله: * (شركاء متشاكسون) * أي متشاجرون لشكاسة خلقهم. انتهي وفسروا السلم بالخالص الذي لا يشترك فيه كثيرون.
مثل ضربه الله للمشرك الذي يعبد أربابا وآلهة مختلفين فيشتركون فيه وهم متنازعون فيأمره هذا بما ينهاه عنه الآخر وكل يريد أن يتفرد فيه ويخصه بخدمة نفسه، وللموحد الذي هو خالص لمخدوم واحد لا يشاركه فيه غيره فيخدمه فيما يريد منه من غير تنازع يؤدي إلى الحيرة، فالمشرك هو الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، والموحد هو الرجل الذي هو سلم لرجل. لا يستويان بل الذي هو سلم لرجل أحسن حالا من صاحبه.
وهذا مثل ساذج ممكن الفهم لعامة الناس لكنه عند المداقة يرجع إلى قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (2) وعاد برهانا على نفي تعدد الأرباب والآلهة.
وقوله: * (الحمد لله) * ثناء لله بما أن عبوديته خير من عبودية من سواه.
وقوله: * (بل أكثرهم لا يعلمون) * مزية عبادته على عبادة غيره على ماله من الظهور التام لمن له أدنى بصيرة (3).
قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ...) * إلى آخر الآية، ما في الآية من المثل المضروب يفرض عبدا مملوكا