لا يقدر على شئ، وآخر رزق من الله رزقا حسنا ينفق منه سرا وجهرا، ثم يسأل هل يستويان؟!
واعتبار التقابل بين المفروضين يعطي أن كلا من الطرفين مقيد بخلاف ما في الآخر من الوصف مع تبيين الأوصاف بعضها لبعض.
فالعبد المفروض مملوك غير مالك لا لنفسه ولا لشئ من متاع الحياة وهو غير قادر على التصرف في شئ من المال، والذي فرض قباله حر يملك نفسه وقد رزقه الله رزقا حسنا، وهو ينفق منه سرا وجهرا على قدرة منه على التصرف بجميع أقسامه.
وقوله: * (هل يستوون) * سؤال عن تساويهما، ومن البديهي أن الجواب هو نفي التساوي، ويثبت به أن الله سبحانه - وهو المالك لكل شئ المنعم بجميع النعم - لا يساوي شيئا من خلقه وهم لا يملكون لا أنفسهم ولا غيرهم ولا يقدرون على شئ من التصرف، فمن الباطل قولهم: إن مع الله آلهة غيره وهم من خلقه.
والتعبير بقوله: * (يستوون) * دون أن يقال:
يستويان، للدلالة على أن المراد من ذلك الجنس من غير أن يختص بمولى وعبد معينين كما قيل.
وقوله: * (الحمد لله) * أي له عز اسمه جنس الحمد وحقيقته، وهو الثناء على الجميل الاختياري، لأن جميل النعمة من عنده ولا يحمد إلا الجميل فله تعالى كل الحمد كما أن له جنسه، فافهم ذلك.
والجملة من تمام الحجة، ومحصلها: أنه لا يستوي المملوك الذي لا يقدر أن يتصرف في شئ وينعم بشئ، والمالك الذي يملك الرزق ويقدر على التصرف فيه فيتصرف وينعم كيف شاء، والله سبحانه هو المحمود بكل حمد إذ ما من نعمة إلا وهي من خلقه فله كل صفة يحمد عليها كالخلق والرزق والرحمة والمغفرة والإحسان والإنعام وغيرها، فله كل ثناء جميل، وما يعبدون من دونه مملوك لا يقدر على شئ فهو سبحانه الرب وحده دون غيره.
وقد قيل: إن الحمد في الآية شكر على نعمه تعالى، وقيل: حمد على تمام الحجة وقوتها، وقيل: تلقين للعباد ومعناه قالوا: الحمد لله الذي دلنا على توحيده وهدانا إلى شكر نعمه، وهي وجوه لا يعبأ بها.
وقوله: * (بل أكثرهم لا يعلمون) * أي أكثر المشركين لا يعلمون أن النعمة كلها لله لا يملك غيره شيئا ولا يقدر على شئ، بل يثبتون لأوليائهم شيئا من الملك والقدرة على سبيل التفويض فيعبدونهم طمعا وخوفا، هذا حال أكثرهم وأما أقلهم من الخواص فإنهم على علم من الحق لكنهم يحيدون عنه بغيا وعنادا.
وقد تبين مما تقدم أن الآية مثل مضروب في الله سبحانه وفيمن يزعمونه شريكا له في الربوبية: وقيل: إنها مثل تمثل به حال الكافر المخذول والمؤمن الموفق، فإن الكافر لإحباط عمله وعدم الاعتداد بأعماله كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شئ فلا يعد له إحسان وإن أنفق وبالغ، بخلاف المؤمن الذي يوفقه الله لمرضاته ويشكر مساعيه، فهو ينفق مما عنده