بما يزيد في الابتعاد عن حق المعنى.
وقد عرفت أن ذلك يؤدي إلى عدم كفاية الجواب في حسم الإشكال من أصله (1).
وقال في مبحث إعجاز القرآن في تحديه بمن أنزل عليه ما نصه: وقد تحدى بالنبي الأمي الذي جاء بالقرآن المعجز في لفظه ومعناه، ولم يتعلم عند معلم ولم يترب عند مرب بقوله تعالى: * (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) * (2)، فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم وهو أحدهم لا يتسامى في فضل ولا ينطق بعلم حتى لم يأت بشئ من شعر أو نثر نحوا من أربعين سنة وهو ثلثا عمره لا يحوز تقدما ولا يرد عظيمة من عظائم المعالي ثم أتى بما أتي به دفعة، فأتي بما عجزت عنه فحولهم وكلت دونه ألسنة بلغائهم، ثم بثه في أقطار الأرض فلم يجترئ على معارضته معارض من عالم أو فاضل أو ذي لب وفطانة.
وغاية ما أخذوه عليه: أنه سافر إلى الشام للتجارة فتعلم هذه القصص ممن هناك من الرهبان ولم يكن أسفاره إلى الشام إلا عمه أبي طالب قبل بلوغه، وإلا مع ميسرة مولى خديجة وسنه يومئذ خمسة وعشرون، وهو مع من يلازمه في ليله ونهاره، ولو فرض محالا ذلك فما هذه المعارف والعلوم؟ ومن أين هذه الحكم والحقائق؟ وممن هذه البلاغة في البيان الذي خضعت له الرقاب وكلت دونه الألسن الفصاح؟
وما أخذوه عليه أنه كان يقف على قين بمكة من أهل الروم كان يعمل السيوف ويبيعها، فأنزل الله سبحانه: * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * (3).
وما قالوا عليه أنه يتعلم بعض ما يتعلم من سلمان الفارسي وهو من علماء الفرس عالم بالمذاهب والأديان، مع أن سلمان إنما آمن به في المدينة، وقد نزل أكثر القرآن بمكة وفيها من جميع المعارف الكلية والقصص ما نزلت منها بمدينة بل أزيد، فما الذي زاده إيمان سلمان وصحابته؟
على أن من قرأ العهدين وتأمل ما فيهما ثم رجع إلى ما قصه القرآن من تواريخ الأنبياء السالفين وأممهم رأى أن التاريخ غير التاريخ والقصة غير القصة، ففيهما عثرات وخطايا لأنبياء الله الصالحين تنبو الفطرة وتتنفر من أن تنسبها إلى المتعارف من صلحاء الناس وعقلائهم، والقرآن يبرئهم منها، وفيها أمور أخرى لا يتعلق بها معرفة حقيقية ولا فضيلة خلقية ولم يذكر القرآن منها إلا ما ينفع الناس في معارفهم وأخلاقهم وترك الباقي وهو الأكثر (4).
- الإمام الباقر (عليه السلام): أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا،