ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) * (1).
وفي سورة يونس لإيمان قومه وكشف العذاب، عنهم قال تعالى: * (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) * (2).
وخلاصة ما يستفاد من الآيات بضم بعضها إلى بعض واعتبار القرائن الحافة بها: أن يونس (عليه السلام) كان من الرسل أرسله الله تعالى إلى قومه وهم جمع كثير يزيدون على مائة ألف فدعاهم فلم يجيبوه إلا بالتكذيب والرد، حتى جاءهم عذاب أوعدهم به يونس ثم خرج من بينهم.
فلما أشرف عليهم العذاب وشاهدوه مشاهدة عيان أجمعوا على الإيمان والتوبة إلى الله سبحانه، فكشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا.
ثم إن يونس (عليه السلام) استخبر عن حالهم فوجد العذاب انكشف عنهم - وكأنه لم يعلم بإيمانهم وتوبتهم - فلم يعد إليهم وذهب لوجهه على ما به من الغضب والسخط عليهم فكان ظاهر حاله حال من يأبق من ربه مغاضبا عليه ظانا أنه لا يقدر عليه، وركب البحر في فلك مشحون.
فعرض لهم حوت عظيم لم يجدوا بدا من أن يلقوا إليه واحدا منهم يبتلعه وينجو الفلك بذلك، فساهموا وقارعوا فيما بينهم فأصابت يونس (عليه السلام)، فألقوه في البحر فابتلعه الحوت ونجت السفينة.
ثم إن الله سبحانه حفظه حيا سويا في بطنه أياما وليالي، ويونس (عليه السلام) يعلم أنها بلية ابتلاه الله بها مؤاخذة بما فعل، وهو ينادي في بطنه أن * (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) *.
فاستجاب الله له فأمر الحوت أن يلفظه فنبذه بالعراء وهو سقيم، فأنبت الله سبحانه عليه شجرة من يقطين يستظل بأوراقها، ثم لما استقامت حاله أرسله إلى قومه، فلبوا دعوته وآمنوا به فمتعهم الله إلى حين.
والأخبار الواردة من طرق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على كثرتها، وبعض الأخبار من طرق أهل السنة، مشتركة المتون في قصة يونس (عليه السلام) على النحو الذي يستفاد من الآيات، وإن اختلفت في بعض الخصوصيات الخارجة عن ذلك (3).
2 - قصته عند أهل الكتاب: هو (عليه السلام) مذكور باسم يوناه بن إمتاي في مواضع من العهد القديم، وكذا في مواضع من العهد الجديد أشير في بعضها إلى قصة لبثه في بطن الحوت، لكن لم تذكر قصته الكاملة في شئ منهما.
ونقل الآلوسي في روح المعاني في قصته عند أهل الكتاب ويؤيده ما في بعض كتبهم