اه كلام الفتح. والهادوية يقولون: إن الواجب رد اللبن إن كان باقيا وإن كان تالفا فمثله، وإن لم يوجد المثل فالقيمة. وقد اعتذر الحنفية عن حديث المصراة بأعذار بسطها صاحب فتح الباري وسنشير إلى ما ذكره باختصار، ونزيد عليه ما لا يخلو عن فائدة العذر الأول الطعن في الحديث بكون راويه أبا هريرة، قالوا: ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما يرويه إذا كان مخالفا للقياس الجلي، وبطلان هذا العذر أوضح من أن يشتغل ببيان وجهه، فإن أبا هريرة رضي الله عنه من أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يكن أحفظهم على الاطلاق وأوسعهم رواية لاختصاصه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالحفظ كما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بسطه لردائه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن كان بهذه المنزلة لا ينكر عليه تفرده بشئ من الأحكام الشرعية. وقد اعتذر رضي الله عنه عن تفرده بكثير مما لا يشاركه فيه غيره بما ثبت عنه في الصحيح من قوله: إن أصحابي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا. وأيضا لو سلم ما ادعوه من أنه ليس كغيره في الفقه لم يكن ذلك قادحا في الذي يتفرد به، لأن كثيرا من الشريعة بل أكثرها وارد من غير طريق المشهورين بالفقه من الصحابة، فطرح حديث أبي هريرة يستلزم طرح شطر الدين، على أن أبا هريرة لم ينفرد برواية هذا الحكم عن رسول الله بل رواه معه ابن عمر، كما أخرج ذلك من حديثه أبو داود والطبراني وأنس، كما أخرج ذلك من حديثه أبو يعلى وعمرو بن عوف المزني، كما أخرج ذلك عنه البيهقي ورجل من الصحابة لم يسم، كما أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن مسعود، كما أخرجه الإسماعيلي وإن كان قد خالفه الأكثر ورووه موقوفا عليه كما فعله البخاري وغيره وتبعهم المصنف، ولكن مخالفة ابن مسعود للقياس الجلي مشعرة بثبوت حديث أبي هريرة. قال ابن عبد البر: ونعم ما قال إن هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل، واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها. العذر الثاني من أعذار الحنفية الاضطراب في متن الحديث قالوا: لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى، واعتبار الصاع تارة، والمثل أو المثلين أخرى، وأجيب بأن الطرق
(٣٣٠)