وأجيب بأن التمر عوض اللبن لا عوض الشاة فلا يلزم ما ذكر. (ومن جملة) ما خالف به القياس عندهم أنه إذا استرد مع الشاة صاعا وكان ثمن الشاة صاعا كان قد باع شاة وصاعا بصاع فيلزم الربا، وأجيب بأن الربا إنما يعتبر في العقود لا في الفسوخ، بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض، ولو تقابلا في هذا العقد بعينه جاز التفرق قبل القبض. (ومن جملة) المخالفة أنه يلزم من الاخذ به ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا، وأجيب بأنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادث وتعذر تمييزه، فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينه لتعذر رده. ومنها أنه يلزم من الاخذ به إثبات الرد بغير عيب ولا شرط، وأجيب بأن أسباب الرد لا تنحصر في الامرين المذكورين، بل له أسباب كثيرة منها الرد بالتدليس، وقد أثبت به الشارع الرد في الركبان إذا تلقفوا كما سلف، ولا يخفى على منصف أن هذه القواعد التي جعلوا هذا الحديث مخالفا لها لو سلم أنها قد قامت عليها الأدلة لم يقصرا الحديث عن الصلاحية لتخصيصها، فيالله العجب من قوم يبلغون في المحاماة عن مذاهب أسلافهم وإيثارها على السنة المطهرة الصريحة الصحيحة إلى هذا الحد الذي يسر به إبليس، وينفق في حصول مثل هذه القضية التي قل طمعه في مثلها، لا سيما من علماء الاسلام النفس والنفيس، وهكذا فلتكن ثمرات التمذهبات وتقليد الرجال في مسائل الحرام والحلال. العذر السادس: أن الحديث محمول على صورة مخصوصة وهي إذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب مثلا خمسة أرطال وشرط فيها الخيار فالشرط فاسد، فإن اتفقا على إسقاطه في مدة الخيار صح العقد، وإن لم يتفقا بطل ووجب رد الصاع من التمر لأنه كان قيمة اللبن يومئذ، وأجيب بأن الحديث معلق بالتصرية، وما ذكروه يقتضي تعليقه بفساد الشرط، سواء وجدت تصرية أم لا فهو تأويل متعسف. وأيضا لو سلم أن ما ذكروه من جملة صور الحديث فالقصر على صورة معينة هي فرد من أفراد الدليل لا بد من إقامة دليل عليه. قال في الفتح: واختلف القائلون بالحديث في أشياء. منها: لو كان عالما بالتصرية هل يثبت له الخيار؟ فيه وجه للشافعية. قال: ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه لهم أيضا خلافا للحنابلة في المسألتين. ومنها: لو تصرت بنفسها أو صراها المالك لنفسه ثم بدا له فباعها فهل يثبت ذلك الحكم؟ فيه خلاف، فمن نظر
(٣٣٣)