وأجاب عليه صاحب البحر بأنه مقيس على الام، ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب، فالتعويل عليه إن صح أولى من التعويل على القياس، وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفريق بينهم قياسا، وقال الامام يحيى والشافعي: لا يحرم والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الاخوة، وأما بين ما عداهم من الأرحام فإلحاقه بالقياس فيه نظر، لأنه لا تحصل منهم بالمفارقة مشقة، كما تحصل بالمفارقة بين الولد والوالد، وبين الأخ وأخيه، فلا إلحاق لوجود الفارق، فينبغي الوقوف على ما تناوله النص، وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق، سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي التفريق بالبيع، إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة، والظاهر أيضا أنه لا يجوز التفريق بين من ذكر لا قبل البلوغ ولا بعده، وسيأتي بيان ما استدل به على جوازه بعد البلوغ.
وعن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع أبي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغزونا فزارة، فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من قتلنا، ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء نحو الجبل وأنا أعدو في إثرهم، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل، قال: فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله، فنفلني أبو بكر ابنتها، فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة، ثم بت فلم أكشف لها ثوبا، فلقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السوق فقال: يا سلمة هب لي المرأة، فقلت: يا رسول الله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا، فسكت وتركني، حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق فقال: يا سلمة هب المرأة لله أبوك فقلت: هي لك يا رسول الله، قال: فبعث بها إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
قوله: فعرسنا التعريس النزول آخر الليل للاستراحة. قوله: شننا الغارة شن الغارة هو إتيان العدو من جهات متفرقة. قال في القاموس: شن الغارة عليهم صبها من كل وجه كأشنها. قوله: عنق أي جماعة من الناس قال في القاموس: العنق بالضم وبضمتين. وكأمير وصرد الجيد ويؤنث الجمع أعناق والجماعة من الناس والرؤساء.