عليهم من مناسكهم، وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني، فإن قيل: لا منافاة بين هذا الذي صوبه وبين ما قبله، فإنه ليس في شئ من طرق الأحاديث بيان الوقت الذي خطب فيه الناس، فيجاب بأن في رواية حديث ابن عباس التي ذكرها المصنف رميت بعد ما أمسيت، وهي تدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال، لأن المساء إنما يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحجاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى، فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك. (والحاصل) أنه قد اجتمع من الروايات أن ذلك كان في حجة الوداع يوم النحر بعد الزوال عند الجمرة، والرجل المذكور في هذه الأحاديث، قال الحافظ في الفتح: لم نقف بعد البحث الشديد على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة.
قوله: حلقت قبل أن أرمي في هذه الرواية قدم السؤال عن الحلق قبل الرمي، وفي الرواية الثانية قدم السؤال عن الحلق قبل النحر، وكذلك في حديث علي عليه السلام، وفي الرواية الأخرى منه قدم الإفاضة قبل الحلق، وفي الرواية الثالثة منه قدم الذبح قبل الرمي، وفي رواية ابن عباس قدم الحلق قبل الذبح، وفي الرواية الأخرى منه قدم الزيارة قبل الرمي (والأحاديث) المذكورة في الباب تدل على جواز تقديم بعض الأمور المذكورة فيها على بعض وهي الرمي والحلق والتقصير والنحر وطواف الإفاضة وهو إجماع كما قال ابن قدامة في المغني. قال في الفتح: إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع قال القرطبي: روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شئ فعليه دم. وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي، وتعقبه الحافظ بأن نسبة ذلك إلى النخعي، وأصحاب الرأي فيها نظر قال:
إنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع، وإنما أوجبوا الدم لأن العلماء قد أجمعوا على أنها مترتبة، أولها رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، ولم يخالف في ذلك أحد، إلا أن ابن جهم المالكي استثنى القارن فقال: لا يحلق حتى يطوف، ورد عليه النووي بالاجماع، فالمراد بإيجابهم الدم على من قدم شيئا على شئ يعنون من الأشياء المذكورة في هذا الترتيب المجمع عليه بأن فعل ما يخالفه. وقد روي إيجاب الدم عن الهادي والقاسم. وذهب جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم قالوا: لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ولا حرج يقتضي رفع الاثم والفدية معا، لأن المراد بنفي الحرج نفي