قصده. قال في الفتح: صور العرية كثيرة. منها: أن يقول رجل لصاحب النخل:
يعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعها ويقبض منه التمر ويسلم له النخلات بالتخلية فينتفع برطبها. ومنها: أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري رطبها بقدر خرصه بتمر معجل. ومنها: أن يهبه إياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا، ولا يجب أكلها رطبا لاحتياجه إلى التمر، فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلا. ومنها: أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه، ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله، وهي التي عفى له عن خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنها أعريت عن أن تخرص في الصدقة، فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها، ومما يطلق عليه اسم العرية أن يعري رجلا ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذه هبة محضة. ومنها:
أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة، وهاتان الصورتان من العرايا لا بيع فيهما، وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور، وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية. وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع، وأراد به رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشترونه لتجارة ولا ادخار، ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة، وهي أن يعري الرجل الرجل ثمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك ثم يبدو له أن يرتجع تلك الهبة، فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمرا، وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع الثمر بالتمر، وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في الأحاديث. قال ابن المنذر: الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة. قال:
ونظير ذلك الاذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تبع ما ليس عندك قال: ولو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع، ولأنه عبر بالرخصة، والرخصة لا تكون إلا في شئ ممنوع، والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأنها قيدت بخمسة أوسق، والهبة لا تتقيد. وقد احتج أصحاب أبي حنيفة لمذهبه بأشياء تدل