على صف الروم حتى دخل بينهم، فصاح المسلمون وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم لتأولون هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية لما أعز الله الاسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا: أن أموالنا قد ضاعت، وأن الله قد أعز الاسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منا، فأنزل الله على نبيه ما يرد علينا فقال: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (سورة البقرة، الآية: 195) فكانت التهلكة الأموال وإصلاحها وترك الغزو. قوله: ذلا بضم الذال المعجمة وكسرها أي صغارا ومسكنة. ومن أنواع الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض، وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الاسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو إنزال الذلة بهم، فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان. قوله: حتى ترجعوا إلى دينكم فيه زجر بليغ، لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين، وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة.
وقيل: إن دلالة الحديث على التحريم غير واضحة، لأنه قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر والاشتغال بالزرع وذلك غير محرم، وتوعد عليه بالذل وهو لا يدل على التحريم، ولكنه لا يخفى ما في دلالة الاقتران من الضعف، ولا نسلم أن التوعد بالذل لا يدل على التحريم، لأن طلب أسباب العزة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن، وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء وهو لا يكون إلا لذنب شديد، وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه، وصرحت عائشة بأنه من المحبطات للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث السالف وذلك إنما هو شأن الكبائر.
باب ما جاء في الشبهات عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما يشتبه عليه من الاثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم أو شك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه متفق عليه.