تصيب الثمار فتهلكها، يقال: جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيهما إذا أصابهم بمكروه عظيم، ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش جائحة، وكذلك كل ما كان آفة سماوية، وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف، منهم من لم يره جائحة لقوله في الحديث السابق عن أنس: إذا منع الله الثمرة.
ومنهم من قال: إنه جائحة تشبيها بالآفة السماوية. وقد اختلف أهل العلم في وضع الجوائح إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلفت بالجائحة قبل أوان الجذاذ فقال الشافعي وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والليث: لا يرجع المشتري على البائع بشئ، قالوا: وإنما ورد وضع الجوائح فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس المتقدم. واستدل الطحاوي على ذلك بحديث أبي سعيد: أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
تصدقوا عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك.
أخرجه مسلم وأصحاب السنن. قال: فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار بالعاهات ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثمن ممن باعها منه دل على أن وضع الجوائح ليس على عمومه. وقال الشافعي في القديم: هي من ضمان البائع، فيرجع المشتري عليه بما دفعه من الثمن، وبه قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم، قال القرطبي: وفي الأحاديث دليل واضح على وجوب إسقاط ما اجتيح من الثمرة عن المشتري، ولا يلتفت إلى قول من قال: إن ذلك لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من قول أنس، بل الصحيح رفع ذلك من حديث جابر وأنس. وقال مالك:
إن أذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب الوضع، وإن كان الثلث فأكثر وجب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الثلث والثلث كثير قال أبو داود: لم يصح في الثلث شئ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو رأي أهل المدينة. والراجح الوضع مطلقا من غير فرق بين القليل والكثير، وبين البيع قبل بدو الصلاح وبعده، وما احتج به الأولون من حديث أنس المتقدم يجاب عنه بأن التنصيص على الوضع مع البيع قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده. وأما ما احتج به الطحاوي فغير صالح للاستدلال به على محل النزاع،