المقام مقام تشريع للعبادة، وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه من القران والامر على خلاف ذلك، وهل هذا إلا تغرير يتعالى عنه مقام النبوة؟ وبالجملة لم يوجد في شئ من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث فالتمسك به متعين، ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من المرجحات فإنها في مقابلته ضائعة (واحتج) من قال بأن الافراد أفضل أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنها أفردوا الحج وواظبوا على إفراده، فلو لم يكن أفضل لم يواظبوا عليه، وبأن الافراد لا يجب فيه دم. قال النووي بالاجماع وذلك لكماله، ويجب الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره، فكان ما لا يحتاج إلى جبران أفضل. ومنها: أن الأمة أجمعت على جواز الافراد من غير كراهة، وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم القران، ويجاب عن هذا كله بأن الافراد لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعا بالسوق والكل ممنوع، والسند ما سلف من أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعا، وهذان البحثان أعني تعيين ما حجه صلى الله عليه وآله وسلم من الأنواع وبيان ما هو الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط وفيما حررناه مع كونه في غاية الايجاز ما يغني اللبيب.
وعن حفصة أم المؤمنين قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك؟ قال: إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الحج رواه الجماعة إلا الترمذي. وعن غنيم بن قيس المازني قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال: فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش يعني بيوت مكة يعني معاوية رواه أحمد ومسلم. وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر