على أن العرية العطية، ولا حجة في شئ منه، لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق شرعا على صور أخرى. وقالت الهادوية وهو وجه في مذهب الشافعي: أن رخصة العرايا مختصة بالمحاويج الذين لا يجدون رطبا، فيجوز لهم أن يشتروا منه بخرصه تمرا، واستدلوا بما أخرجه الشافعي في مختلف الحديث عن زيد بن ثابت أنه سمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر، ويجاب عن دعوى اختصاص العرايا بهذه الصورة، أما أولا فبالقدح في هذا الحديث فإنه أنكره محمد بن داود الظاهري على الشافعي، وقال ابن حزم: لم يذكر الشافعي له إسنادا فبطل. وأما ثانيا فعلى تسليم صحته لا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على أن العرية أعم من الصورة التي اشتمل عليها. (والحاصل) أن كل صورة من صور العرايا ورد بها حديث صحيح أو ثبتت عن أهل الشرع أو أهل اللغة فهي جائزة لدخولها تحت مطلق الاذن، والتنصيص في بعض الأحاديث على بعض الصور لا ينافي ما ثبت في غيره. قوله: بخرصه بفتح الخاء المعجمة، وأشار ابن التين إلى جواز كسرها، وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح، وجوزهما النووي وقال:
الفتح أشهر قال: ومعناه بقدر ما فيه إذا صار تمرا، فمن فتح قال: هو اسم الفعل، ومن كسر قال: هو اسم للشئ المخروص قال في الفتح: والخرص هو التخمين والحدس.
قوله: يقول الوسق والوسقين الخ، استدل بهذا من قال: إنه لا يجوز في بيع العرايا إلا دون خمسة أوسق وهم الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر، قالوا: لأن الأصل التحريم، وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز ويلقي ما وقع فيه الشك، ولكن مقتضى الاستدلال بهذا الحديث أن لا يجوز مجاوزة الأربعة الأوسق، مع أنهم يجوزونها إلى دون الخمسة بمقدار يسير. والذي يدل على ما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه لقوله فيه: فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق، فيلقي الشك وهو الخمسة، ويعمل بالمتيقن وهو ما دونها، وقد حكى هذا القول صاحب البحر عن أبي حنيفة ومالك والقاسم وأبي العباس، وقد عرفت ما سلف من تحقيق مذهب أبي حنيفة في العرايا.
وحكي في الفتح أن الراجح عند المالكية الجواز في الخمسة عملا برواية الشك،