الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث، فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال: إن كلا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر به اتساعا، ثم رجح أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج، وكذا قال عياض وزاد فقال: وأما إحرامه فقد تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا، وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله: ولولا أن معي الهدي لأحللت فصح أنه لم يتحلل. وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله، لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي، وقيل قل عمرة في حجة. قال الحافظ: وهذا الجمع هو المعتمد، وقد سبق إليه قديما ابن المنذر، وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا، ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره، ومحصله أن كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول الحال، وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه الامر، وجمع شيخ الاسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله: إن التمتع عند الصحابة يتناول القران، فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا، وكل من روى الافراد قد روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم تمتعا وقرانا، فيتعين الحمل على القران، وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منها وأتى بالعمرة. ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا، وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جوابات طويلة أكثرها متعسفة، وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شئ من مرجحات غيره. منها:
أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الافراد وغيره، والزيادة مقبولة إذا خرجت من مخرج صحيح، فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة.
ومنها: أن من روى الافراد والتمتع اختلف عليه في ذلك، لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا. ومنها: أن روايات القران لا تحتمل التأويل، بخلاف روايات الافراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم. ومنها: أن رواة القران أكثر كما تقدم. ومنها: أن فيهم من أخبر عن سماعة لفظا صريحا، وفيهم من أخبر عن إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنه فعل ذلك، وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك. ومنها:
أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي