(والأحاديث) تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره، ويجبره الحاكم إذا امتنع، وبه قال أحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث. وقالت الحنفية والهادوية ومالك والشافعي في أحد قوليه والجمهور أنه يشترط إذن المالك، ولا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع، وحملوا النهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأدلة القاضية بأنه: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه. وتعقب بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقا فيبنى العام على الخاص. قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحية ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها، وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ: إذا استأذن أحدكم أخاه. وفي رواية لأحمد: من سأله جاره وكذا في رواية لابن حبان، فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم يتقدم.
قوله: في جداره الظاهر عود الضمير إلى المالك أي في جدار نفسه، وقيل: الضمير يعود على الجار الذي يريد الغرز، أي لا يمنعه من وضع خشبه على جدار نفسه، وإن تضرر به من جهة منع الضوء مثلا. ووقع لأبي عوانة من طريق زياد بن سعد عن الزهري أنه يضع جذعه على جدار نفسه ولو تضرر به جاره، والظاهر الأول، ويؤيده قوله في حديث ابن عباس: في حائط جاره. وكذلك قوله في الحديث الآخر:
فاجعل أسطوانا دون جداري قيل: وهذا الحكم مشروط عند القائلين بأنه يجب ذلك على الجار بحاجة من يريد الغرز إليه وعدم تضرر المالك، فإن تضرر لم يقدم حاجة جاره على حاجته، ولكنه لا يخفى أن إطلاق الأحاديث قاض بعدم اعتبار عدم تضرر المالك، ولكنه يجب على من يريد الغرز أن يتوقى الضرر بما أمكن، فإن لم يمكن إلا بإضرار وجب على الغارز إصلاحه، وذلك كما يقع عند فتح الجدار لغرز الجذوع، وأما اعتبار حاجة الغارز إلى الغرز فأمر لا بد منه. قوله: ما لي أراكم عنها معرضين أي عن هذه المقالة التي جاءت بها السنة أو عن هذه الوصية أو الموعظة. قوله:
والله لأرمين بين أكتافكم بالتاء الفوقية أي لأقر عنكم بها كما يضرب الانسان بالشئ بين كتفيه ليستيقظ من غفلته. قال القاضي عياض وابن عبد البر: وقد رواه بعض رواة الموطأ أكنافكم بالنون، والكنف الجانب ونونه مفتوحة، والمعنى: لأصرخن بها بين جماعتكم ولا أكتمها أبدا. وقال الخطابي معناه: إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به