كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شئ فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه رواه البخاري وكذلك أحمد والترمذي وصححه وقالا فيه: مظلمة من مال أو عرض. قوله: مظلمة بكسر اللام على المشهور، وحكى ابن قتيبة وابن التين والجوهري فتحها، وأنكره ابن القوطية، وحكى القزاز الضم. قوله: أو شئ هو من عطف العام على الخاص، فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها. قوله:
قبل أن لا يكون دينار ولا درهم أي يوم القيامة كما ثبت في رواية الإسماعيلي.
قوله: أخذ من سيئات صاحبه أي صاحب المظلمة فحمل عليه أي على الظالم. وفي رواية مالك: فطرحت عليه وقد أخرج هذا الحديث مسلم من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا. ولفظه: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار. ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (سورة فاطر، الآية: 18) لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه، ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته، فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده. (وفي الحديث) دليل على صحة الابراء من المجهول لا طلاقه. وزعم ابن بطال أن في هذا الحديث دليلا على اشتراط التعيين، لا قوله مظلمة يقتضي أن تكون معلومة القدر مشارا إليها. قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه. قال ابن المنير: إنما وقع في الحديث التقدير حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه وهذا متفق عليه، والخلاف إنما هو فيما إذا أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط أن يعرف قدره أم لا؟ وقد أطلق ذلك في الحديث. نعم قام الاجماع على صحة التحليل من المعين المعلوم، فإن كانت العين موجودة صحت هبتها دون الابراء منها. وفي الحديث أيضا دليل على أن من حلل خصمه من مظلمة لا رجوع له في ذلك، أما المعلوم فلا خلاف فيه، وأما المجهول فعند من يجيزه، قال في الفتح: وهو فيما مضى باتفاق، وأما فيما سيأتي ففيه الخلاف.