ثم يسوق هو الهدي ويخالفه. وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات غير هذه، ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والافراد، لا باعتبار أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا، وهو بحث آخر قد اختلفت فيه المذاهب اختلافا كثيرا، فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق، ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل. وذهب جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك وأحمد والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى وإسماعيل بن جعفر الصادق وأخيه موسى والامامية إلى أن التمتع أفضل. وذهب جماعة من الصحابة وجماعة ممن بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم، ومن أهل البيت الهادي والقاسم والامام يحيى وغيرهم من متأخريهم إلى أن الافراد أفضل. وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة في الفضل سواء، قال في الفتح: وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه. وقال أبو يوسف: القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد. وعن أحمد من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه، زاد بعض أتباعه: ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلد سفره فالافراد أفضل له، قال: وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة، ولكن المشهور عن أحمد أن التمتع أفضل مطلقا، وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج منها: أن الله اختاره لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها: أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة يقتضي أنها قد صارت جزءا منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه، ولا يكون ذلك إلا مع القران. ومنها: أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدي أفضل، واستدل من قال بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة قالوا: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتمنى إلا الأفضل، واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السوق إليه وهذا هو الحق، فإنه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك اختاره صلى الله عليه وآله وسلم لأفضل الخلق وخير القرون، وأما ما قيل من إنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال كذلك تطييبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد، لان
(٤١)