باب النحر والحلاق والتقصير وما يباح عندهما عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس رواه أحمد ومسلم وأبو داود. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: وللمقصرين متفق عليه.
قوله: إلى جانبه الأيمن فيه استحباب البداءة في حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق والحديث يرد عليه. والظاهر أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب.
قوله: ثم جعل يعطيه الناس فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه، وفيه دليل على طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور. وقد تقدم الكلام على ذلك في أبواب الطهارة.
قوله: اللهم اغفر للمحلقين لفظ أبي داود: ارحم كذا في رواية البخاري، وفيه دليل على الترحم على الحي وعدم اختصاصه بالميت. قوله: وللمقصرين هو عطف على محذوف تقديره قل وللمقصرين ويسمى عطف التلقين (والحديث) يدل على أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم له ذلك، وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه إلا مجازا، وقد قال بوجوب حلق الجميع أحمد ومالك، واستحبه الكوفيون والشافعي، ويجزئ البعض عندهم، واختلفوا في مقداره، فمن الحنفية الربع، إلا أن أبا يوسف قال النصف، وعن الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات، وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة، وهكذا الخلاف في التقصير (وقد اختلف) أهل العلم في الحلق هل هو نسك أو تحليل محظور؟
فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني عطاء وأبو يوسف، ورواية عن أحمد وبعض المالكية،