الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلا ما خرج بدليل، كما ذهب إليه أهل الظاهر وحكي عن الشافعي انتهى. وقد قدمنا في الصلاة أن مرجع واجباتها إلى حديث المسئ فلا يجب غير ما اشتمل عليه إلا بدليل يخصه، وقدمنا أن أفعال الحج وأقواله الظاهر فيها الوجوب إلا ما خرج بدليل كما قالت الظاهرية وهو الحق. قال القرطبي: روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون التي هي مع الألف ضمير، أي يقول لنا: خذوا مناسككم فيكون قوله لنا صلة للقول، قال: هو الأفصح. وقد روي: لتأخذوا مناسككم بكسر اللام للامر وبالتاء المثناة من فوق وهي لغة شاذة قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى * (فبذلك فليفرحوا) * (سورة يونس، الآية: 58) انتهى والأولى أن يقال: إنها قليلة لا شاذة، لورودها في كتاب الله تعالى وفي كلام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي كلام فصحاء العرب، وقد قرأ بها عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن وأبو رجاء وابن هرمز وابن سيرين وأبو جعفر المدني والسلمي وقتادة والجحدري وهلال بن يساف والأعمش وعمرو بن فائد العباس بن الفضل الأنصاري. قال صاحب اللوامح: وقد جاء عن يعقوب كذلك قال ابن عطية: وقرأ بها ابن القعقاع وابن عامر وهي قراءة جماعة من المسلمين كثيرة، وما نقله ابن عطية عن ابن عامر هو خلاف قراءته المشهورة. قوله لعلي: لا أحج بعد حجتي هذه فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا سميت حجة الوداع. قوله: إلى الجمرة الكبرى هي جمرة العقبة. قوله:
فجعل البيت عن يساره فيه أنه يستحب لمن وقف عند الجمرة أن يجعل مكة عن يساره.
قوله: ومنى عن يمينه فيه أنه يستحب أن يجعل منى على جهة يمينه ويستقبل الجمرة بوجهه. قوله: ورمى بسبع فيه دليل على أن رمي الجمرة يكون بسبع حصيات، وهو يرد قول ابن عمر: ما أبالي رميت الجمرة بست أو بسبع، وسيأتي في باب المبيت بمنى متمسك لقوله. وروي عن مجاهد أنه لا شئ على من رمى بست. وعن طاوس يتصدق بشئ وعن مالك والأوزاعي: من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم. وعن الشافعية في ترك حصاة مد، وفي ترك حصاتين مدان، وفي ثلاثة فأكثر دم. وعن الحنفية: أن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم. قوله: سورة البقرة خصها بالذكر لأن معظم أحكام الحج فيها. قوله: يكبر مع كل حصاة فيه استحباب التكبير مع كل حصاة، وقد استدل بهذا على اشتراط رمي الجمرات بواحدة بعد واحدة