بدنة لم يكن الجواب مفيدا، لأن كونها من الإبل معلوم، فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كونها هديا فقال: إنها بدنة، قال في الفتح:
والحق أنه لم يخفى ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونها كانت مقلدة، ولهذا قال لما زاد في مراجعته: ويلك وأحاديث الباب تدل على جواز ركوب الهدي من غير فرق بين ما كان منه واجبا أو تطوعا لتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال، وبه قال عروة ابن الزبير، ونسبه ابن المنذر إلى أحمد وإسحاق، وبه قال أهل الظاهر، وجزم به النووي وجماعة من أصحاب الشافعي كالقفال والماوردي، وحكى ابن عبد البر عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه بغير حاجة، وحكاه الترمذي أيضا عن أحمد وإسحاق والشافعي، وقيد الجواز بعض الحنفية بالاضطرار، ونقله ابن أبي شيبة عن الشعبي، وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه يركب إذا اضطر ركوبا غير فادح، وحكى ابن العربي عن مالك أنه يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهت ضرورته، والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها ونقل ابن العربي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقا، وكذا نقله المهدي في البحر عنه، ولكن نقل عنه الطحاوي الجواز مع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب، والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب إمامه، وقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدي الواجب. ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر وجوب الركوب تمسكا بظاهر الامر، ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة، ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا كثيرا ولم يأمر أحدا منهم بذلك انتهى. وتعقبه الحافظ بحديث علي عليه السلام المذكور في الباب قال: وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بالهدية إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها أو يركبها غير منهكها واختلف من أجاز الركوب هل يجوز أن يحمل عليها متاعه؟ فمنعه مالك وأجازه الجمهور، وهل يحمل عليها غيره؟ أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم. ونقل عياض الاجماع على أنه لا يؤجرها، واختلفوا أيضا في اللبن إذا احتلب منه شيئا، فعند العترة والشافعية والحنفية يتصدق به، فإن أكله تصدق بثمنه، وقال مالك: لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم.