للوجوب إلى الندب (وقد اختلف) في الجمع بين الأحاديث المذكورة والأحاديث الآتية القاضية بالمنع من الفرع والعتيرة فقيل: إنه يجمع بينها بحمل هذه الأحاديث على الندب، وحمل الأحاديث الآتية على عدم الوجوب، ذكر ذلك جماعة منهم الشافعي والبيهقي وغيرهما، فيكون المراد بقوله: لا فرع ولا عتيرة أي لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة، وهذا لا بد منه مع عدم العلم بالتاريخ، لأن المصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع لا يجوز كما تقرر في موضعه. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الأحاديث منسوخة بالأحاديث الآتية، وادعى القاضي عياض أن جماهير العلماء على ذلك، ولكنه لا يجوز الجزم به إلا بعد ثبوت أنها متأخرة ولم يثبت.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا فرع ولا عتيرة، والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه، والعتيرة في رجب متفق عليه. وفي لفظ: لا عتيرة في الاسلام ولا فرع رواه أحمد.
وفي لفظ: أنه نهى عن الفرع والعتيرة رواه أحمد والنسائي. وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا فرع ولا عتيرة رواه أحمد.
حديث ابن عمر رضي الله عنه متنه متن حديث أبي هريرة المتفق عليه فهو شاهد لصحته ولم يذكره في مجمع الزوائد، بل ذكر حديث ابن عمر الآخر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: في العتيرة هي حق وفي بعض نسخ المتن رواه ابن ماجة مكان قوله رواه أحمد. قوله: لا فرع ولا عتيرة قد تقرر أن النكرة الواقعة في سياق النفي تعم فيشعر ذلك بنفي كل فرع وكل عتيرة والخبر محذوف، وقد تقرر في الا صول أن المقتضي لا عموم له فيقدر واحد وهو ألصقها بالمقام، وقد تقدم أن المحذوف هو لفظ واجب وواجبة، ولكن إنما حسن المصير إلى أن المحذوف هو ذلك الحرص على الجمع بين الأحاديث، ولولا ذلك لكان المناسب تقدير ثابت في الاسلام أو مشروع أو حلال، كما يرشد إلى ذلك التصريح بالنهي في الرواية الأخرى.
(وقد استدل) بحديثي الباب من قال: بأن الفرع والعتيرة منسوخان وهم من تقدم ذكره. وقد عرفت أن النسخ لا يتم إلا بعد معرفة تأخر تاريخ ما قيل إنه ناسخ، فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف، ولا يعكر على ذلك رواية النهي، لان