فيما كان من مواطن الاجتهاد، وكثيرا ما ترى جماعة من الزيدية في مؤلفاتهم يجزمون بحجية قول علي عليه السلام إن وافق ما يذهبون إليه، ويعتذرون عنه إن خالف بأنه اجتهاد لا حجة فيه، كما يقع منهم ومن غيرهم إذا وافق قول أحد من الصحابة ما يذهبون إليه فإنهم يقولون لا مخالف له من الصحابة فكان إجماعا، ويقولون إن خالف ما يذهبون إليه قول صحابي لا حجة فيه، وهكذا يحتجون بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت موافقة للمذهب، ويعتذرون عنها إن خالفت بأنها غير معلومة الوجه الذي لأجله وقعت فلا تصلح للحجة، فليكن هذا منك على ذكر، فإنه من المزالق التي يتبين عندها الانصاف والاعتساف. وقد قدمنا التنبيه على مثل هذا وكررناه لما فيه من التحذير عن الاغترار بذلك ومن الأدلة الدالة على جواز الحجر على من كان بعد البلوغ سيئ التصرف قول الله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (سورة النساء، الآية: 5) قال في الكشاف: السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ولا يدي لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها، والخطاب للأولياء، وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * (سورة النساء، الآية: 29)، * (فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * (سورة النساء، الآية: 25) والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى. قوله: * (وارزقوهم فيها واكسوهم) * (سورة النساء، الآية: 5) ثم قال في تفسير قوله تعالى: * (وارزقوهم فيها) * واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الانفاق وقيل: هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو أجنبي، رجل أو امرأة، يعلم أنه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده انتهى. وقد عرفت بهذا عدم اختصاص السفهاء المذكورين بالصبيان كما قال في البحر فإنه تخصيص لما تدل عليه الصيغة بلا مخصص. ومما يؤيد ذلك نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الاسراف بالماء ولو على نهر جار. ومن المؤيدات عدم إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على قرابة حبان لما سألوه أن يحجر عليه إن صح ثبوت ذلك، وقد تقدم الحديث بجميع طرقه في البيع، وقد استدل على جواز الحجر على السفيه أيضا برده صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الرجل الذي تصدق بأحد ثوبيه، كما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من حديث أبي سعيد، وأخرجه الدارقطني من حديث جابر. وبما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث جابر أيضا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رد البيضة على من تصدق
(٣٦٩)