الصحيحة لا اختلاف فيها، والضعيف لا يعل به الصحيح. العذر الثالث: أنه معارض لعموم قوله تعالى: * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * (سورة النحل، الآية: 126) وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات، ولو سلم دخوله تحت العموم فالصاع مثل لأنه عوض المتلف وجعله مخصوصا بالتمر دفعا للشجار، ولو سلم عدم صدق المثل عليه فعموم الآية مخصص بهذا الحديث، إما على مذهب الجمهور فظاهر، وإما على مذهب غيرهم فلأنه مشهور وهو صالح لتخصيص العمومات القرآنية. العذر الرابع: أن الحديث منسوخ، وأجيب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال، ولو كفى ذلك لرد من شاء ما شاء، واختلفوا في تعيين الناسخ فقال بعضهم: هو حديث ابن عمر عند ابن ماجة في النهي عن بيع الدين بالدين، وذلك لأن لبن المصراة قد صار دينا في ذمة المشتري، فإذا ألزم بصاع من تمر صار دينا بدين، كذا قال الطحاوي وتعقب بأن الحديث ضعيف باتفاق المحدثين، ولو سلمت صلاحيته فكون ما نحن فيه من بيع الدين بالدين ممنوع، لأنه يرد الصاع مع المصراة حاضرا لا نسيئة، من غير فرق بين أن يكون اللبن موجودا أو غير موجود، ولو سلم أنه من بيع الدين بالدين فحديث الباب مخصص لعموم ذلك النهي لأنه أخص منه مطلقا. وقال بعضهم: إن ناسخه حديث الخراج بالضمان وقد تقدم، وذلك لأن اللبن فضلة من فضلات الشاة، ولو تلفت لكانت من ضمان المشتري فتكون فضلاتها له. وأجيب بأن المغروم هو ما كان فيها قبل البيع لا الحادث، وأيضا حديث الخراج بالضمان بعد تسليم شموله لمحل النزاع عام مخصوص بحديث الباب فكيف يكون ناسخا؟ وأيضا لم ينقل تأخره، والنسخ لا يتم بدون ذلك، ثم لو سلمنا مع عدم العلم بالتاريخ جواز المصير إلى التعارض وعدم لزوم بناء العام على الخاص لكان حديث الباب أرجح لكونه في الصحيحين وغيرهما، ولتأيده بما ورد في معناه عن غير واحد من الصحابة. وقال بعضهم: ناسخه الأحاديث الواردة في رفع العقوبة بالمال، هكذا قال عيسى بن أبان، وتعقبه الطحاوي بأن التصرية إنما وجدت من البائع، فلو كان من ذلك الباب لكانت العقوبة له، والعقوبة في حديث المصراة للمشتري فافترقا، وأيضا عموم الأحاديث القاضية بمنع العقوبة بالمال على فرض ثبوتها مخصوصة بحديث المصراة، وقد قدمنا البحث في التأديب بالمال مبسوطا في كتاب الزكاة. وقال بعضهم: ناسخه حديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا
(٣٣١)