جعلهما المصنف حديثين. قوله: أن آمر أصحابي الخ، استدل به على استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه، وبه قال ابن رسلان. وخرج بقوله أصحابي النساء، فإن المرأة لا تجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها. قال الروياني: فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على المصحح بل يكون مكروها، وكذا قال أبو الطيب وابن الرفعة، وذهب داود إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله: فأمرني أن آمر أصحابي، لا سيما وأفعال الحج وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول الله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (سورة آل عمران: 97) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: خذوا عني مناسككم. قوله: حتى رمى جمرة العقبة فيه دليل على أن التلبية تستمر إلى رمي العقبة، وإليه ذهب الجمهور وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر، لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة. وقالت طائفة: يقطعها إذا راح إلى الموقف، رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي، وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث. وعن الحسن البصري مثله لكن قال: إذا صلى الغداة يوم عرفة، واختلف الأولون هل يقط التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي؟ فذهب جمهورهم إلى الأول، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال: أفضت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسرا لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى. والامر كما قال ابن خزيمة: فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد، وقبولها متفق عليه كما تقرر في الأصول. قوله: حتى يستلم الحجر ظاهره أنه يلبي في حال دخوله المسجد وبعد رؤية البيت وفي حال مشيه حتى يشرع في الاستلام، ويستثني منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص، وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام أبو حنيفة والشافعي في الجديد، وقال في القديم: يلبي ولكنه يخفض صوته وهو قول ابن عباس وأحمد.
(٥٥)