في حقوقهم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألهم أن يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي فأبوا، فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حائطي وقال:
سنغدوا عليك، فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل وداعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها، وفي لفظ: أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشفع له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلم اليهودي ليأخذ ثمرة نخله بالذي له فأبى، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر: جد له فأوف له الذي له، فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت سبعة عشر وسقا رواهما البخاري.
قوله: فجددتها بالجيم ودالين مهملتين، والجداد صرام النحل. والحديث فيه دليل على جواز المصالحة بالمجهول عن المعلوم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل الغريم أن يأخذ ثمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي له وهي معلومة، ولكنه ادعى في البحر الاجماع على عدم الجواز فقال ما لفظه مسألة: ويصح بمعلوم عن معلوم إجماعا، ولا يصح بمجهول إجماعا ولو عن معلوم، كأن يصالح بشئ عن شئ، أو عن ألف بما يكسبه هذا العام اه. فينبغي أن ينظر في صحة هذا الاجماع فإن الحديث مصرح بالجواز. وقال المهلب: لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الاخذ ذلك ورضي اه.
وهكذا قال الدمياطي، وتعقبهما ابن المنير فقال: بيع المعلوم بالمجهول مزابنة، فإن كان تمرا نحوه فمزابنة وربا، لكن اغتفر ذلك في الوفاء وتبعه الحافظ على ذلك فقال: إنه يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداء، لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا، ويجوز في المعاوضة عند الوفاء، قال: وذلك بين في حديث الباب انتهى.
والحاصل أن هذا الحديث مخصص للعمومات المتقدمة في البيع القاضية بوجوب معرفة مقدار كل واحد من البدلين المتساويين جنسا وتقديرا، فيجوز القضاء مع الجهالة إذا وقع الرضا، ويؤيد هذا حديث أم سلمة السالف، فإنها وقعت فيه المصالحة