الحرم؟ وكان عطاء يقول: لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق، وقال غيره من أهل المغازي: إنما نحر في الحل.
(فائدة): لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى في كتابه هذا زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الموطن الذي يحسن ذكرها فيه كتاب الجنائز، ولكنها لما كانت تفعل في سفر الحج في الغالب ذكرها جماعة من أهل العلم في كتاب الحج فأحببنا ذكرها ههنا تكميلا للفائدة. (وقد اختلفت) فيها أقوال أهل العلم، فذهب الجمهور إلى أنها مندوبة، وذهب بعض المالكية وبعض الظاهرية إلى أنها واجبة، وقالت الحنفية: إنها قريبة من الواجبات. وذهب ابن تيمية الحنبلي حفيد المصنف المعروف بشيخ الاسلام إلى أنها غير مشروعة، وتبعه على ذلك بعض الحنابلة، وروي ذلك عن مالك والجويني والقاضي عياض كما سيأتي. (احتج القائلون) بأنها مندوبة بقوله تعالى * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول) * (سورة النساء، الآية: 64) الآية، ووجه الاستدلال بها أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث: الأنبياء أحياء في قبورهم وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزءا، قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: قال المتكلمون المحققون من أصحابنا: إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حي بعد وفاته، انتهى. ويؤيد ذلك ما ثبت أن الشهداء أحياء يرزقون في قبورهم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم، وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجئ إليه بعد الموت كالمجئ إليه قبله، ولكنه قد ورد أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم فوق ثلاث، وروي فوق أربعين، فإن صح ذلك قدح في الاستدلال بالآية، ويعارض القول بدوام حياتهم في قبورهم ما سيأتي من أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترد إليه روحه عند التسليم عليه، نعم حديث: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي الذي سيأتي إن شاء الله تعالى إن صح فهو الحجة في المقام، واستدلوا ثانيا بقوله تعالى: * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) * (سورة النساء، الآية: 100) الآية، والهجرة إليه في حياته الوصول إلى حضرته، كذلك الوصول بعد موته، ولكنه لا يخفى أن الوصول إلى حضرته في حياته فيه فوائد لا توجد في الوصول إلى حضرته بعد موته، منها: النظر إلى ذاته الشريفة، وتعلم أحكام الشريعة منه، والجهاد بين يديه وغير ذلك. واستدلوا ثالثا بالأحاديث الواردة في ذلك منها: الأحاديث الواردة في مشروعية زيارة القبور على