حرم إبراهيم مكة. وذهب أبو حنيفة وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة، ولا تثبت له الاحكام من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر (والأحاديث) ترد عليهم، واستدلوا بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير وأجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل. قوله: إلا أن يعلف رجل بعيره فيه دليل على جواز أخذ الأشجار للعلف لا لغيره فإنه لا يحل كما سلف. قوله: ما بين لابتي المدينة قال أهل اللغة:
اللابتان الحرتان واحدتهما لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة، والحرة الحجارة السود، وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما. قوله: اثني عشر ميلا الخ، لفظ مسلم عن أبي هريرة قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة، قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل اثنى عشر ليلا حول المدينة حمى انتهى. والضمير في قوله جعل راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما يدل على ذلك اللفظ الذي ذكره المصنف، ويدل عليه أيضا ما عند أبي داود من حديث عدي بن زيد الجذامي قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا، فهذا مثل ما في الصحيحين، لأن البريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال (وهذان الحديثان) فيهما التصريح بمقدار حرم المدينة. قوله: أن يخبط أو يعضد الخبط: ضرب الشجر ليسقط ورقه. والعضد:
القطع كما تقدم. زاد أبو داود في هذا الحديث: إلا ما يساق به الجمل. قوله: ما بين جبليها قد ادعى بعض الحنفية أن الحديث مضطرب، لأنه وقع التحديد في بعض الروايات بالحرتين، وفي بعضها باللابتين، وفي بعضها بالجبلين، وفي بعضها بعير وثور كما تقدم، وفي بعضها بالمأزمين كما سيأتي. قال في الفتح: وتعقب بأن الجمع بينهما واضح، وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة، فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح، ولا شك أن ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها، ورواية جبليها لا تنافيها، فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال، وجبليها من جهة الشرق والغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر، والمأزم قد يطلق على الجبل نفسه كما سيأتي.
قوله: اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم قال عياض: البركة هنا بمعنى النماء والزيادة.
وقال النووي: الظاهر أن المراد البركة في نفس الكيل من المدينة بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها. قوله: من كذا إلى كذا جاء هكذا مبهما في روايات البخاري،