إن الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به، ومن جملة أدلة القائلين بأفضلية مكة على المدينة حديث ابن الزبير عند أحمد وعبد بن حميد وابن زنجويه وابن خزيمة والطحاوي والطبراني والبيهقي وابن حبان وصححه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة وقد روي من طريق خمسة عشر من الصحابة. ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن أفضلية المسجد لأفضلية المحل الذي هو فيه (ومن جملة) ما استدلوا به حديث: اللهم إنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني في أحب البلاد إليك أخرجه الحاكم في المستدرك، ويجاب بأن النزاع في الأفضل لا فيما هو أحب، والمحبة لا تستلزم الأفضلية، والاستنباط لا يقاوم النص (واعلم) أن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والكل من فضول الكلام التي لا تتعلق به فائدة غير الجدال والخصام، وقد أفضى النزاع في ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية، كاستدلال المهلب على أفضلية المدينة بأنها هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الاسلام، فصار الجميع في صحائف أهلها وبأنها تنفي الخبث كما ثبت في الحديث الصحيح وأجيب عن الأول بأن أهل المدينة، الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة، فالفضل ثابت للفريقين، ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وعن الثاني بأن ذلك إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى: * (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) * والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة، ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت، على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة لا أنها فاضلة.
باب حرم المدينة وتحريم صيده وشجره عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: