مسلم ولفظه لفظ حديث إياس، وكذا أخرجه النسائي (والحديثان) يدلان على تحريم بيع فضل الماء وهو الفاضل عن كفاية صاحبه، والظاهر أنه لا فرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة، وسواء كان للشرب أو لغيره، وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع، وسواء كان في فلاة أو في غيرها. وقال القرطبي: ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم. وقال النووي: حاكيا عن أصحاب الشافعي: أنه يجب بذل الماء في الفلاة بشروط، أحدها:
أن لا يكون ماء آخر يستغنى به. الثاني: أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع. الثالث: أن لا يكون مالكه محتاجا إليه. ويؤيد ما ذكرنا من دلالة الحديثين على المنع من بيع الماء على العموم حديث أبي هريرة عند الشيخين مرفوعا بلفظ:
لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ وذكره صاحب جامع الأصول بلفظ:
لا يباع فضل الماء وهو لفظ مسلم، وسيأتي هذا الحديث وما معناه في باب النهي عن منع فضل الماء من كتاب إحياء الموات، ويؤيد المنع من البيع أيضا أحاديث: الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار وستأتي في باب: الناس شركاء في ثلاث من كتاب إحياء الموات أيضا. وقد حمل الماء المذكور في حديثي الباب على ماء الفحل، وهو مع كونه خلاف الظاهر مردود بما في حديث جابر الذي أشار إليه المصنف فإنه في صحيح مسلم بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع فضل الماء وعن منع ضراب الفحل وقد خصص من عموم حديثي المنع من البيع للماء ما كان منه محرزا في الآنية فإنه يجوز بيعه قياسا على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة، وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في الزكاة، وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس، والخلاف في ذلك معروف في الأصول، ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء على الاطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من يشتري بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها الحديث، فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها، وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره