وسدر قد تقدم الكلام على هذا في كتاب الجنائز، وساقه المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه ووجهه لأن التعليل بقوله: فإنه يبعث ملبيا يدل على أن العلة الاحرام. قال النووي: أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمع على تحريمه. وأما وجهه فقال مالك وأبو حنيفة: هو كرأسه. وقال الشافعي والجمهور:
لا إحرام في وجهه وله تغطيته، وإنما يجب كشف الوجه في حق المرأة، والحديث حجة عليهم، وهكذا الكلام في المحرم الميت لا يجوز تغطية رأسه عند الشافعي وأحمد وإسحاق وموافقيهم، وكذلك لا يجوز أن يلبس المخيط لظاهر قوله: فإنه يبعث ملبيا وخالف في ذلك مالك والأوزاعي وأبو حنيفة فقالوا: يجوز تغطية رأسه وإلباسه المخيط، والحديث يرد عليهم. وأما تغطية وجه من مات محرما فيجوز عند من قال بتحريم تغطية رأسه، وتأولوا هذا الحديث، على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكونه وجها إنما ذلك صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه، وهذا تأويل لا يلجئ إليه ملجئ، والكلام على بقية أطراف الحديث قد تقدم في الجنائز.
باب المحرم يتقلد بالسيف للحاجة عن البراء قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم لا يدخل مكة سلاحا إلا في القراب.
وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج معتمرا، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثة أيام أمروه أن يخرج فخرج رواهما أحمد والبخاري، وهو دليل على أن لله محصر نحر هديه حيث أحصر.
قوله: إلا في القراب بكسر القاف هو وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه في الرحل، وإنما وقعت المقاضاة بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم على أن يكون سلاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه في القرابات لوجهين ذكرهما أهل العلم. الأول: أن لا يظهر منه حال دخوله