وقيل الكراهة. وقيل الوقف وهو كالخلاف فيما قبل الشرع واختلف العلماء أيضا في تفسير الشبهات. فمنهم من قال: إنها ما تعارضت فيه الأدلة. ومنهم من قال: إنها ما اختلف فيه العلماء وهو منتزع من التفسير الأول. ومنهم من قال: إن المراد بها قسم المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك، ومنهم من قال: هي المباح. ونقل ابن المنير عن بعض مشايخه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه. ويؤيد هذا ما وقع في رواية لابن حبان من الزيادة بلفظ: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه قال في الفتح بعد أن ذكر التفاسير للمشتبهات التي قدمناها ما لفظه: والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول، قال: ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا، ويختلف ذلك باختلاف الناس، فالعالم الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم، فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه، ومن دونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال، ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جراءة على ارتكاب المنهي في الجملة، أو يحمله اعتياده لارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم، أو يكون ذلك لسر فيه وهو أن من تعاطي ما نهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: فمن ترك ما يشتبه عليه من الاثم الخ.
(واعلم أن العلماء) قد عظموا أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور عليها الاحكام كما نقل عن أبي داود وغيره وقد جمعها من قال:
عمدة الدين عندنا كلمات * مسندات من قول خير البرية اترك الشبهات وازهد ودع ما * ليس يعنيك واعملن بنيه والإشارة بقوله أزهد إلى حديث: أزهد فيما في أيدي الناس أخرجه ابن ماجة وحسن إسناده الحافظ، وصححه الحاكم عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ:
أزهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس. وله شاهد عند أبي نعيم من حديث أنس ورجاله ثقات. والمشهور عن أبي داود عد حديث: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه مكان حديث: أزهد المذكور. وعد حديث الباب بعضهم ثالث ثلاثة وحذف الثاني، وأشار ابن العربي أنه يمكن أن ينتزع منه وحده جميع الأحكام،