بيع ردئ الجنس بجيده متفاضلا، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه، وأما سكوت الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع إما ذهولا وإما اكتفاء بأن ذلك معلوم. وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: هذا هو الربا فرده، كما نبه على ذلك في الفتح. وقد استدل أيضا بهذا الحديث على جواز بيع العينة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يشتري بثمن الجمع جنيبا، ويمكن أن يكون بائع الجنيب منه هو الذي اشترى منه الجمع، فيكون قد عادت إليه الدراهم التي هي عين ماله، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بأن يشتري الجنيب من غير من باع منه الجمع، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم. قال في الفتح: وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل، فإذا عمل به في صورة سقط الاحتجاج به في غيرها، فلا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باع منه تلك السلعة بعينها انتهى. وسيأتي الكلام على بيع العينة. قوله: وقال في الميزان مثل ذلك أي مثل ما قال في المكيل من أنه لا يجوز بيع بعض الجنس منه ببعضه متفاضلا، وإن اختلفا في الجودة والرداءة، بل يباع رديئه بالدراهم ثم يشترى بهذا الجيد، والمراد بالميزان هنا الموزون.
قال المصنف رحمه الله: وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها لأن قوله في الميزان أي في الموزون وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا انتهى.
باب في أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر رواه مسلم والنسائي، وهو يدل بمفهومه على أنه لو باعها بجنس غير التمر لجاز.
قوله: الصبرة قال في القاموس: والصبرة بالضم ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن انتهى. قوله: لا يعلم كيلها صفة كاشفة للصبرة لأنه لا يقال لها صبرة إلا إذا كانت مجهولة الكيل (والحديث) فيه دليل على أنه لا يجوز أن يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار، لأن العلم بالتساوي مع الاتفاق في الجنس شرط لا يجوز البيع بدونه، ولا شك أن الجهل بكلا البدلين أو بأحدهما فقط مظنة للزيادة والنقصان،