وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها، وعلى فرض ذلك فهي مختلفة كما عرفت.
باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها بأقل مما باعها عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت: يا أم المؤمنين إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بستمائة نقدا، فقالت لها عائشة: بئس ما اشتريت وبئس ما شريت، إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب رواه الدارقطني.
الحديث في إسناده الغالية بنت أيفع، وقد روي عن الشافعي أنه لا يصح، وقرر كلامه ابن كثير في إرشاده، وفيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمن نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول، أما إذا كان المقصود التحيل لاخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أيام فلا شك أن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة، وسيأتي الخلاف في بيع العينة في الباب الذي بعد هذا. والصورة المذكورة هي صورة بيع العينة، وليس في حديث الباب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن هذا البيع، ولكن تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع، إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة، أو على جهة الخصوص كحديث العينة الآتي، ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت هذه المقالة من دون أن تعلم بدليل يدل على التحريم، لأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا يكون من الموجبات للاحباط.