في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض رواه أحمد والبخاري.
الأحاديث المذكورة في هذا الباب قد قدمها المصنف رحمه الله تعالى في كتاب العيدين بألفاظها المذكورة ههنا من دون زيادة ولا نقصان، ولم تجر له عادة بمثل هذا، وقد شرحناها هنالك، وذكرنا ما في الباب من الأحاديث التي لم يذكرها وسنذكرها ههنا، فوائد لم نتعرض لذكرها هنالك تتعلق بألفاظ هذه الأحاديث. فقوله: العضباء هي مقطوعة الأذن. قال الأصمعي: كل قطع في الاذن جدع، فإن جاوز الربع فهي عضباء. وقال أبو عبيد: أن العضباء التي قطع نصف أذنها فما فوق، وقال الخليل: هي مشقوقة الأذن، قال الحربي: الحديث يدل على أن العضباء اسم لها، وإن كانت عضباء الاذن فقد جعل اسمها هذا. قوله: يوم الأضحى بمنى وهذه هي الخطبة الثالثة بعد صلاة الظهر فعلها ليعلم الناس بها المبيت والرمي في أيام التشريق وغير ذلك مما بين أيديهم. قوله: ففتحت بفتح الفاء الثانية وكسر الفوقية بعدها أي اتسع سمع أسماعنا وقوي من قولهم قارورة فتح بضم الفاء والتاء أي واسعة الرأس، قال الكسائي:
ليس لها صمام ولا غلاف، وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوي سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية. قوله:
ونحن في منازلنا فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة، بل وقفوا في رحالهم وهم يسمعونها، ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه عن الحضور لاستماعها وهو اللائق بحال الصحابة رضي الله عنهم. قوله: فطفق يعلمهم هذا انتقال من التكلم إلى الغيبة وهو أسلوب من أساليب البلاغة مستحسن. قوله: حتى بلغ الجمار يعني المكان الذي ترمى فيه الجمار، والجمار هي الحصى الصغار التي يرمى بها الجمرات.
قوله: فوضع أصبعيه السبابتين زاد في نسخة لأبي داود في أذنيه، وإنما فعل ذلك ليكون أجمع لصوته في إسماع خطبته، ولهذا كان بلال يضع أصبعيه في صماخ أذنيه في الاذان، وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره: فوضع أصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار. قوله: ثم قال يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما قال تعالى:
* (ويقولون في أنفسهم) * (سورة المجادلة، الآية: 8) ويكون المراد به هنا النية للرمي. قال أبو حبان: وتراكيب القول