بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان فيصير علامة، وغير ذلك من الوسم، وكالختان والحجامة انتهى. على أنه لو كان من المثلة لكان ما فيه من الأحاديث مخصصا له من عموم النهي عنها. وقد روى الترمذي عن النخعي أنه قال بكراهة الاشعار، وبهذا يتعقب على الخطابي وابن حزم في جزمهما بأنه لم يقل بالكراهة أحد غير أبي حنيفة. قوله: وقلدها نعلين فيه دليل على مشروعية تقليد الهدي، وبه قال الجمهور، قال ابن المنذر: أنكر مالك وأصحاب الرأي التقليد للغنم، زاد غيره: وكأنه لم يبلغهم الحديث انتهى. واحتجوا على عدم المشروعية بأنها تضعف عن التقليد وهي حجة أو هي من بيوت العنكبوت، فإن مجرد تعليق القلادة مما لا يضعف به الهدي، وأيضا إن فرض ضعفها عن بعض القلائد قلدت بما لا يضعفها، وأيضا قد وردت السنة بالاشعار وهو لا يترك لكونه مظنة للضعف، فكيف يترك ما ليس بمظنة لذلك مع ورود السنة به (قيل الحكمة) في تقليد الهدي النعل أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه. وقال ابن المنير: الحكمة فيه أن العرب تعد النعل مركوبة لكونها تقي صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق، فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره، كما خرج حين أحرم عن ملبوسه، ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة وقد اشترط الثوري ذلك، وقال غيره: تجزئ الواحدة، وقال آخرون: لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ. قوله: فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد البخاري في رواية: من عهن كان عندي. وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن تكون من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك، وقد ترجم البخاري على هذا الحديث باب القلائد عن العهن وهو الصوف. قوله: ثم بعث بها إلى البيت المهدى له حالان: إما أن يقصد النسك ويسوق الهدي معه فيكون التقليد والاشعار عند الاحرام، وإما أن يبعث بها ويقيم فيكونان عند البعث بها من المكان الذي هو مقيم به كما في هذا الحديث، ولا يحرم عليه بعد البعث بها ما يحرم على المحرم لقولها: فما حرم عليه شئ كان له حلا. قوله: غنما فقلدها فيه دليل على جواز أن يكون الهدي من الغنم، وهو يرد على الحنفية ومن وافقهم أن الهدي لا يجزئ من الغنم، ويرد على مالك ومن وافقه حيث قال: إن الغنم لا تقلد.
(١٨٤)