وبعد طلوع الفجر جاز، وإن رماها قبل الفجر أعاد وحكى المهدي في البحر عن العترة والشافعي أن وقت الرمي من ضحى يوم النحر، واستدل القائلون بأن وقت الرمي من وقت الضحى بحديث الباب وبحديث ابن عباس الآتي، قالوا: وإذا كان من رخص له النبي صلى الله عليه وآله وسلم منعه أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى. (واحتج المجوزون) للرمي قبل الفجر بحديث أسماء الآتي، ولكنه مختص بالنساء كما سيأتي، ولا حاجة إلى الجمع بينه وبين حديث ابن عباس، بحمل حديث ابن عباس على الندب كما ذكره صاحب الفتح. قال ابن المنذر: السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رماها حينئذ فلا إعادة عليه، إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه انتهى. والأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له، ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك، ولكنه لا يجزئ في أول ليلة النحر إجماعا، وسيأتي بقية الكلام على هذا. (واعلم) أنه قد قيل: إن الرمي واجب بالاجماع كما حكي ذلك في البحر، واقتصر صاحب الفتح على حكاية الوجوب عن الجمهور وقال:
إنه عند المالكية سنة، وحكي عنهم أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه. وحكي ابن جرير عن عائشة وغيرها أن الرمي إنما شرع حفظا للتكبير، فإن تركه وكبر أجزأه، والحق أنه واجب لما قدمنا من أن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم بيان لمجمل واجب وهو قوله تعالى * (ولله على الناس حج البيت) * (سورة آل عمران، الآية: 97) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
خذوا عني مناسككم. قوله: على راحلته استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أفضل من رمي الراجل، وبه قالت الشافعية والحنفية والناصر والامام يحيى. وقال:
الهادي والقاسم: إن رمي الراجل أفضل، وأجابوا عن الحديث بأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان راكبا لعذر الازدحام. قوله: لتأخذوا بكسر اللام، قال النووي:
هي لام الامر ومعناه خذوا مناسككم، قال: وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقدير الحديث أن هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، والمعنى: اقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس. قال النووي وغيره: هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة: صلوا كما رأيتموني أصلي قال القرطبي: ويلزم من هذين الأصلين أن