إن وقع قبل التفرق لم يطابق الامر، وإن وقع بعد التفرق لم يصادف محلا.
وقوله تعالى: * (تجارة عن تراض) * (سورة النساء، الآية: 29) فإنها تدل على أنه بمجرد الرضا يتم البيع. وقوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * (سورة المائدة، الآية: 1) لأن الراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يف به ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: المسلمون على شروطهم والخيار بعد العقد يفسد الشرط. ومنه حديث التحالف عند اختلاف المتبايعين لاقتضائه الحاجة إلى اليمين وذلك يستلزم لزوم العقد، ولو ثبت خيار المجلس لكان كافيا في رفع العقد، لا يخفى أن هذه الأدلة على فرض شمولها لمحل النزاع أعم مطلقا، فيبنى العام على الخاص، والمصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع غير جائز كما تقرر في موضعه ومن أهل القول الثاني من أجاب عن أحاديث خيار المجلس بأنها منسوخة بهذه الأدلة. قال في الفتح: ولا حجة في شئ من ذلك لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والجمع بين الدليلين مهما أمكن لا يصار معه إلى الترجيح، والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسف ولا تكلف انتهى. وأجاب بعضهم بأن إثبات خيار المجلس مخالف للقياس الجلي في إلحاق ما قبل التفرق بما بعده وهو قياس فاسد الاعتبار لمصادمته النص. وأجاب بعضهم: بأن التفرق بالأبدان محمول على الاستحباب تحسينا للمعاملة مع المسلم، ويجاب عنه بأنه خلاف الظاهر، فلا يصار إليه إلا لدليل، وهكذا يجاب عن قول من قال: إنه محمول على الاحتياط للخروج من الخلاف، وقيل: إنه يحمل التفرق المذكور في الباب على التفرق في الأقوال، كما في عقد النكاح والإجارة. قال في الفتح: وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق، لأن البيع ينقل منه ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ما ذكر. وقيل: المراد بالمتبايعين المتساومان، قال في الفتح: ورد بأنه مجاز، فالحمل على الحقيقة أوما يقرب منها أولى. وقد احتج الطحاوي على ذلك بآيات وأحاديث استعمل فيها المجاز، وتعقب بأنه لا يلزم من استعمال المجاز في موضع استعماله في كل موضع. قال البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين: لحمله التفرق على الأقوال، وحمله للمتبايعين على المتساومين، وأيضا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره: أن المتساومين إن شاءا عقد البيع وإن شاءا لم يعقداه وهو تحصيل حاصل لأن كل أحد يعرف ذلك. ولأهل القول الآخر أجوبة غير هذه، فمنها ما سيأتي في آخر الباب، ومنها